أزهار الساكورا في اليابان.. تاريخ من مطاردة الجمال
ما نوع الصور التي تتبادر إلى ذهنك عند ذكر اليابان؟ لربما كانت بوابة ضريح حمراء وأنمي وطعاماً شهياً كالسوشي والرامين وما إلى ذلك، لكنك لن تغفل قط عن المناظر الطبيعية المغمورة باللون الوردي الفاتح لأزهار الكرز، الساكورا، ففي كل ربيع، تزين أزهار الكرز اليابان باللون الوردي لفترة قصيرة ممتعة، فترةٌ ينتظرها اليابانيون بفارغ الصبر حتى إن معظم القنوات الإخبارية اليابانية تغطي هذه الظاهرة الطبيعية الآسرة، وعنها قال الشاعر أريوارا نو ناريهيرا:
“إن كان عالمنا عالماً/لا نرى في ثناياه/تفتح أزهار الكرز،/فأنّى لقلب الإنسان أن/تُكلّله سَكِينة الربيع”..
وبمجرد أن يعرف اليابانيون موعد الإزهار، يشرعون بتنظيم حفلات في الهواء الطلق يسمّونها “هانامي” لمشاهدة الزهور، ويجلبون معهم عادة صناديق البينتو، وهي صناديق يوضع فيها طعام ككرات الأرز والدجاج المقلي، أو أطباق الأودين، وهي قدور حارة تحتوي الفجل الأبيض والتوفو المقلي وكعك السمك والبيض التي تطهى معاً على موقد التخييم، وغالباً ما يتناولها الناس مع أكواب الساكي.
لتقليد هانامي تاريخ طويل يبدأ بمشاهدة تفتح زهور البرقوق في حقبة نارا (710 إلى 794)، إذ يشير أريج البرقوق إلى قدوم الربيع، وأدى دوراً مهماً في البلاط الإمبراطوري في حقبة هِيان (794-1185)، إذ شاع استخدام زهرة البرقوق كموضوع في منافسات الشعر في البلاط. ويمكن ملاحظة ذلك في استخدام صور أزهار البرقوق في الأعمال الشهيرة مثل “حكاية جينجي” لموراساكي شيكيبو، والتي يعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر، وعُدّت أول رواية في العالم.
ثم زاد تقدير قيمة الساكورا إلى جانب البرقوق في حقبة هيان في شكل من أشكال الشعر يعرف باسم “واكا”، ويعني “الأغنية اليابانية”، ويجري فيه نظم شعر في خمسة أسطر. يرتبطُ هذا الاحتفال بتثمين الطبيعة ارتباطاً وثيقاً بفكرة زوال اللحظة، ويأتي مع هذا الإحساس مشاعر الكآبة، وهو ما أعرب عنه الشاعر كي نو تسورايوكي حين قال: “يروعني التفكير في قصر الحياة”.