طهران صارم: أجمل الشعر ما كسر القاعدة
بصدور مجموعتها الشعرية “ثرثرات الحنين” عن الهيئة العامة السورية للكتاب يصبح في رصيد الشاعرة طهران صارم أربعة دواوين شعرية بعد: “لحن الغريب” ٢٠١٢، “بيدر فواصل” ٢٠١٣، “على مرمى رصاصة” ٢٠١٥. وعلى الرغم من قناعتها بأن الحديث عن طبيعة نصوص ديوانها الجديد أمر متروك للقارئ، إلا أنها تبيّن في حوارها مع “البعث” أنه تنويع في الدفق العاطفي والمشاعر والصور الإنسانية الملتقطة دون تحديد زمان أو مكان، والديوان وإن كان يميل للوجدانيات، إلا أن ذلك لا يعني أن الوجدانيات يمكن أن تكون بعيدة عن آثار الحرب، حيث يلاحظ القارئ وجود ظلالها في بعض النصوص.
ثلاث مجموعات شعرية قمتِ بكتابتها في فترة الحرب على سورية، فكيف انعكست الحرب على ما كتبتِ؟.
الحرب كاللعنة والمرض العضال الذي يصيب كل أعضاء الجسم، لا يمكن لأي شخص أن يبقى في منأى عن تأثيراتها، فهي إن لم تؤثر في الجسد فإنها تصيب القلب والوجدان، وتهزّ الضمير وتمتحن الأخلاق، وكانت إحدى مجموعاتي الشعرية “على مرمى رصاصة” متأثرة بما يجري في الوطن، وحاولتُ من خلالها أن أنقل مشاعري وربما مشاعر الكثيرين ممن عايشوا الحرب، وحاولتُ أيضاً من خلالها أن أوثّق لبعض الصور الإنسانية التي صاحبت أجواء الحرب، فيما كانت المجموعات الأخرى متنوعة في مواضيعها وملامستها للواقع والمشاعر الإنسانية.
أية مهمة للشعر في زمن الحرب برأيك؟.
مثلي مثل كل السوريين، عايشنا ظروف الحرب لحظة بلحظة، وأعتقد أن مهمّة الشعر والأدب بشكل عام هي الإشارة والحديث عن هموم اللحظة المعاشة وتسليط الضوء عليها، وربما البحث عن ضوء في آخر النفق للخروج إلى فضاءات أرحب لتستمر الحياة.
متى كانت الكتابة عن الحرب أمراً لا مفرّ منه؟ ومتى يصبح التخلّص من آثارها أمراً ضرورياً؟.
لأن الحرب تجربة مريرة ودروسها كثيرة وعبرها أكثر ولا يمكن لجراحها أن تشفى بسهولة، فمن واجب الكاتب عدم التوقف عن تصويرها والكتابة عنها.
كُتب الكثير من الشعر في فترة الحرب، فأي الكتابات هي التي ستبقى في الذاكرة برأيك؟.
النص المستمر هو النص الذي يتجاوز أزمات الكاتب الداخلية ليعبر إلى أزمات إنسانية فلسفية ومعرفية أكبر، النص الخالد هو النص الذي يفتح مساحة للجدل والدهشة، ويستند إلى عدة حوامل تتخطّى الصورة الجميلة إلى الفكرة وإثارة السؤال والتحريض على الجواب.
وما هي أكثر المطبات التي وقع فيها بعضهم في هذا المجال؟.
**أظنّ أن الحديث عن المطبات التي وقع فيها البعض سابق لأوانه اليوم، حيث من المبكر الحكم على التجارب التي حاكت الحرب وذيولها ما زالت موجودة، ومن الضروري أن تأخذ كل تجربة راحتها في التمدّد الزمني لتستوي إلى شكلها النهائي.
الشعر لغة القلب والعاطفة، وقد تعدّدت أطياف هذه اللغة لتشمل التفاصيل اليومية، فكيف توازنين بين ذلك؟.
الشعر ابن البيئة ولا يمكن للشاعر أن يفصل بين حياته الخاصة وبين ما يكتبه، لكن المهارة تتجلّى في تحويل التجربة الخاصة إلى عامة تلامس الآخر بحيث يمكن لأي قارئ أن يسقطها على تجربته الخاصة.
الشعر فن إنساني، وقديماً كان له دور مهمّ في حياة الناس، فما الذي دعا بعضهم للقول إن زماننا ليس زمان الشعر؟.
هو ليس رأياً عاماً، وربما كان دخول أنواع أخرى من الكتابة كالقصة والرواية والأدب الوجيز سبباً في ابتعاد البعض عن الشعر، خاصة وأن هناك صورة تقليدية عن الشعر تصوّره على أنه حالة رومانسية بحتة وخيالات بعيدة عن الواقع.
جدل كبير دار في فترة من الفترات حول شكل القصيدة ومشروعية أشكالها الفنية، أما اليوم فقد اختفى هذا الجدل؟.
لكل شكل من أشكال الإبداع أنصاره ومحبوه، وفي المقابل له مناهضوه الذين لا يستسيغونه، وبالتالي فإن الجدل حول مشروعية هذا الشكل أو ذاك قائم، لكن الزمن هو الذي يفرز الجيد من الرث، ويبقى الجدل حالة إيجابية وليست سلبية وليس بالضرورة أن ينتصر طرف على آخر.
كان أجدادنا يقولون: “يحق للشاعر ما لا يحق لغيره”، فهل غرد بعض الشعراء خارج السرب بناء على هذه المقولة برأيك؟.
الشاعر والشعر لايخضعان لقواعد وقوانين، وأجمل الشعر ما كسر القاعدة، سواء من ناحية الصورة أو اللغة أو الفكرة والأسلوب، وأنا أغبط من غرد خارج السرب وترك بصمته.
بين ما يريده الشاعر وما يريده الجمهور لمن تكون الغلبة؟.
يحضرني قول المتنبي: أنام ملء جفوني عن شواردها.. ويسهر الخلق جراها ويختصم.. هذا البيت يلخص الإجابة.
قال ديمقريطس: “لا يمكن أن نكون شعراء دون قدر ما من الجنون”.. فهل مارستِ هذا الجنون؟ وفي أي ديوان؟.
إذا كنت تقصدين بالجنون الخروج عن المألوف، فأعتقد أنني ربما لامستُ هذا الموضوع في بعض النصوص، أما إذا كان المقصود العبقرية فهو أمر يقيّمه القارئ والناقد.
أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي مكاناً لنشر ما يكتبه الشاعر، فهل هي المكان الصحيح لذلك؟ وهل يمكن أن تغني عن الإصدار الورقيّ؟.
لايمكن أن ننكر دور وسائل التواصل الاجتماعي في نقل الفكرة والتواصل، وهي جزء من واقعنا سواء أحببنا أم لم نحب، والأمر متروك لطبيعة الشخص الذي يستخدمها، ومع ذلك لايمكن لها أن تلغي الكتاب الورقي، فهو مازال الأكثر حضوراً وتأثيراً.
ما هي الوسيلة الأجدى للتواصل بين الشاعر وجمهوره برأيك؟.
أعتقد أن الندوات والأمسيات ومعارض الكتاب والمهرجانات من أهم وسائل الالتقاء بين الكاتب والجمهور.
أمينة عباس