في مثل هذا اليوم
د. نضال الصالح
حسبَ موسوعات المعارف أنّ هذا اليوم، الخامس عشر من نيسان/ أبريل، هو اليوم الخامس بعد المئة من السنة القمرية/ الهجرية، أو السادس بعد المئة من السنة الميلادية، وحسبَ مدوّنات التاريخ أنّ عالمنا المنسوب إلى الإنسانية مجازاً شهدَ في مثل هذا اليوم غيرَ حدث غيّرَ، أو كاد يغيّر، مجرى التاريخ. غيرُ حدث استعاد أوّل غصّة للأرض بالدم مع قابيل وهابيل، حتى لكأنّ تاريخ الخليقة هو تاريخ تلك الغصّة التي لمّا تزل تتواتر بهيئات مختلفة، وتتقنّع بأسباب ينتمي الكثير منها إلى ما تغصّ به معاجم اللغة من مفردات حافّة بالزيف، والكذب، والباطل، والبهتان.
من تباطؤ دوران الأرض بسبب الكسوف الذي حدث في مثل هذا اليوم سنة مئة وست وثلاثين قبل الميلاد، إلى.. إلى إعدام “طومان باي” آخر سلاطين المماليك سنة ألف وخمسمئة وسبع عشرة، إلى اغتيال الرئيس الأمريكي “ابراهام لينكولن” سنة ألف وثمانمئة وخمس وستين، إلى غرق السفينة “تيتانيك” بعد ارتطامها بجبل جليدي، إلى بدء هجوم المتوجة على عرش الشر العالمي، الولايات المتحدة الأمريكية، على مطارات كوبا وأحياء هافانا خلال غزوها خليج الخنازير سنة ألف وتسعمئة وإحدى وستين، إلى مثيله على مدينتي طرابلس وبنغازي في ليبيا سنة ألف وتسعمئة وست وثمانين، إلى تفجير سيارة مفخخة في منطقة الراشدين في مدينة حلب أوقعت مئة وستة وعشرين من الضحايا من مهجّري كفريا والفوعة سنة ألفين وسبع عشرة، وليس أخيراً تخطّي حاجز المليونين ممّن دهمهم فيروس “كورونا” حول العالم، ووفاة ما يزيد على نصف مليون حتى ذلك اليوم من السنة الفائتة.
في مثل هذا اليوم قبل ثلاث وسبعين سنة نهض كيان سياسي مسخ على أرض فلسطين، فكانت “النكبة” التي تلتها نكبات، وكان تهجير مئات آلاف الفلسطينيين من قراهم وبلداتهم ومدنهم الذي تلته هجرات، طوعاً قليلاً وكُرهاً كثيراً. وباستثناءات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة كان خزي عربيّ تلته متواليات من الخزي، تركت الفلسطيني في العراء وفي مواجهة آلة عسكرية ممعنة في توحشها وجنونها وحمّاها لقضم المزيد من أراضي الفلسطينيين، الجديرين وحدهم بحقّ تاريخيّ لهم في أرض وطنهم، لا أولئك الذين تدفقوا على هذه الأرض من معظم جهات الأرض.
ثلاث وسبعون سنة ولمّا يزل هذا العالم مصاباً بعمى الألوان، لا يميّز الحقّ من الباطل، والحقيقة من الزيف، و”الربيع” من الخريف، وثقافة الحياة من ثقافة الموت. ولمّا يزل طاعناً في نأيه عن الإنسانيّ ونهمه إلى الدم والخراب، وفي شهواته للاستتباع والاستعباد والاسترقاق والتملّك بغير قناع وغير هيئة، لكأنّ قابيل يتناسل بجنون كما غابة من الذئاب المحمومة لافتراس كوكب الأرض من أقصاه إلى أقصاه.
وبعدُ، وقبل، فهل سيأتي الخامس عشر من نيسان/ أبريل القادم وقد استعادت هذه الأمة صحوها، بل بعض صحوها من سباتها الذي طال ثلاثاً وسبعين سنة، وكان “الجحيم” العربيّ العلامة الأكثر نهشاً لثقافة الوعي المبدع للحياة فيها، وربّما الأكثر وطأة من النكبة والنكسة وما سُمّي اتفاقات سلام؟.