أوكرانيا وبازار المصالح العالمية
تقرير إخباري
تتجّه المسألة الأوكرانية نحو التعقيد بعد أن أعلن الجيش الأوكراني أن مناورات عسكرية مشتركة ستبدأ خلال بضعة أشهر مع قوات حلف شمال الأطلسي. هذه التدريبات العسكرية سيشارك فيها أكثر من ألف عسكري من خمس دول في الناتو، دون التأكيد على موعد بدء التدريبات على وجه الدقة، ومكان بدء المناورات.
مؤخراً، أبدى قادة “الناتو” من بروكسل قلقهم بشأن ما تمّ وصفه بـ”تعزيزات” عسكرية روسية كبيرة بالقرب من شرق أوكرانيا، ما يعني أنَّ قيادة الحلف لا تقف على المسافة نفسها بين روسيا وأوكرانيا. ولهذا فإن هذا النمط من النزاعات الذي يضمّ أطرافاً متعدّدة، وتوازنات دقيقة، ومصالح متضاربة، عسكرية وجيوسياسية واقتصادية، سيتحول إلى بازار تجاري واقتصادي مفتوح للاستثمار السياسي وللمزايدات.
حتى الآن تسعى الدول الغربية ومعها “الناتو” لتحويل أوكرانيا -ثاني أكبر دول أوروبا الشرقية- إلى حاجز طبيعي أو منطقة محايدة مع روسيا. فالاتحاد الأوروبي من جانبه، يسعى إلى ضمّ أوكرانيا إلى عضويته حتى تتوسّع الرقعة الأوروبية جغرافياً وسياسياً وعسكرياً، عبر ضمّها أيضاً إلى عضوية الناتو، لكنَّه ليس مستعجلاً لإكمال هذه الخطوة ولا يرغب أيضاً في استفزاز روسيا. لذلك، فإن الإستراتيجية الأوروبية تتسم بالحذر الشديد والدقة في اتخاذ القرارات أو اتباع أي خطوة، وتحاول موازنة المخاوف والقلق المحتملة مع المصالح الحيوية الممكنة.
هذه الإستراتيجية المتدحرجة تجد مقاومة شديدة ورفضاً قاطعاً من قبل الرئيس الأوكراني الحالي فولوديمير زيلينسكي، والرئيس السابق بترو بوروشنكو، فأوكرانيا هي المعنية مباشرة بهذا النزاع، وهي المهدّدة بالتقسيم ولا تشعر بالارتياح لبقائها على حدود جار كبير يتفوق عليها في كل شيء. وبالنسبة للقيادة الأوكرانية، فإن مسألة انضمامها إلى حلف الناتو تشكّل قضية وجود. وانطلاقاً من هذا الدافع القوي، الذي لا يمكن مقاومته، دخلت لعبة الحرب، وبدأت طبولها تقرع وازدادت التهديدات بنشوبها حتى تقنع الحلفاء بتسريع خطواتهم باتجاه الحل.
أما اللاعب الأكبر والأكثر أهمية في هذا الصراع المحتدم فهو الولايات المتحدة الأمريكية، لأن مبدأ وجود منافسين كبار في الأساس يسبّب له اضطراباً وقلقاً، علاوةً على التاريخ الطويل من العلاقات المتوترة مع جمهورية روسيا الاتحادية، وبالتالي فإن وجودها في منطقة النزاع يمثل امتداداً للسياسة الأمريكية الهادفة إلى المحافظة على النظام الدولي بتفاصيله المعروفة، والمحافظة على أحادية القطب التي تتزعمها أمريكا. ما يعني أنها أيضاً تدخل لعبة الاستثمار في الحروب مثلها مثل الدول الأخرى، سعياً منها للحصول على مصالح حيوية وتنازلات معينة يمكن أن تعيد ترتيب الأمور حسب رؤيتها بما لا يتعارض مع مصالحها العالمية.
ريا خوري