حقيقة القلم عند تعثّر الأمم
تعتبر طبقة المثقّفين طليعة كلّ أمّة من الأمم ومنارتها، ومن الطّبيعي أن تمرّ أيّة أمّة بمراحل نموّ وازدهار ومراحل تعثّر وانحدار عبر تاريخها الطّويل، وهذا أمر حتميّ في تاريخ الأمم. وحين تكون الأمّة بحالة نموّها وازدهارها، تجد الجّميع دون استثناء يباهي الآخرين بالانتماء لها، وترى طبقة مثقّفيها بحالة سباق محموم للتّغني بها في كلّ مجالات الثّقافة بشكل عام، وفي مجال الأدب والشّعر بشكل خاص.
لكنّها حين تتعرّض لأزمات طويلة الأمد وتترنّح بما يوحي أنّها قد دخلت مرحلة الانحدار، وبدل أن يلتفّ مثقّفوها حولها كالسّوار حول المعصم ليكونوا حصنها الحصين ومنارتها السّاطعة، نجدهم قد انقسموا لعدّة فئات مختلفين تماماً بمواقفهم، وتظهر النّفوس التي تقف خلف الأقلام على حقيقتها، فحين تجد فئة من المثقّفين تنكفئ منغلقة على ذاتها وتنسحب من المشهد الثقافيّ بشكل تام وتنزوي جانباً، تجد فئة ثانية لا تغادر المشهد الثقافي ولكنّها لا تملك الجرأة على تصدّره ولا على إظهار موقف واضح اتجاه أمتها، فتبدأ الكتابة حول أمور ذاتيّة أو هامشية وغير مهمّة، وتجد فئة ثالثة بحالة صدمة وذهول لا تجيد سوى الشكوى والتّذمر وجلد الآخرين، في محاولة لتحميلهم ما آلت إليه الأمور وتظهر هشاشتها وضعف انتمائها بشكل واضح.
أما أخطر فئة تظهر خلال الأزمات من بين المثقّفين في تاريخ كلّ أمّة فهي الفئة الّتي أمضت عمرها وهي تتبوّأ أعلى المناصب الثّقافيّة وتستغلّ موارد أمّتها أشدّ استغلال وتفرط بهدرها لحساب مصالحها الخاصّة بكلّ السّبل، وتكيل الاتّهامات لكلّ من يخالفها ويقف بوجهها ويعارض مصالحها، وهي تتستّر دائماً خلف الشّعارات الفضفاضة وتدّعي أنّها الأكثر حرصاً والأشدّ وفاء لهذه الأمّة، لكنّها تنقلب رأساً على عقب لصالح من تعتقد أنّ موازين القوى قد مالت نحوه حتّى لو كان من ألدّ الأعداء في مراحل سابقة. لكن رغم كلّ الأوقات العصيبة من تاريخ كلّ أمّة ورغم قساوة الظّروف، وحين ينفضّ الجّميع من حولها إلّا شرفاؤها وأحرارها، تبرز فئة من المثقّفين كمشعل من نور تضيء ليلها الحالك وتكون طليعتها التي تقودها لتنهض من كبوتها. هذه الفئة التي لم يكن لها هاجس في كلّ المراحل سوى نهضة وازدهار أمّتها، ولم تعتبر ارتباطها بها ارتباط مصالح شخصيّة وآنيّة ضيّقة، إنّما ارتباط هويّة وانتماء، فتقدّم الغالي والرّخيص بكلّ وفاء من أجلها.
أمين إسماعيل حربا