حلول لضبط سعر الصرف
لم تتوقف جهات عديدة حكومية وأكاديمية وخاصة عن تقديم المقترحات لضبط سعر صرف الليرة أمام القطع الأجنبي، ولم نعرف فعالية المقترحات، لأن المصرف المركزي لم ينفذ أياً منها، فقد كانت له رؤيته الخاصة التي لم يُقصّر بتطبيقها منذ عام 2011، وهي رؤية أدت، برأي الاختصاصيين، إلى استنزاف الاحتياطي من العملات.
ومهما اختلفت الآراء فإن هناك إجماعاً على أن المستوردات هي المسبب الرئيسي لتذبذب سعر الصرف، واستنزاف القطع، وتراجع القدرة الشرائية لليرة.
وللحد من استنزاف القطع، وتخفيض الطلب على الدولار، قامت الحكومة بتفعيل مشروع إحلال بدائل المستوردات، إلا أن هذا المشروع لايزال يسير ببطء شديد، لأن المستوردات تزداد ولم تنخفض حتى الآن!
ولو ركزت الحكومات السابقة على العملية الإنتاجية، وساعدت الصناعات المتضررة على الإقلاع من جديد، وأولت اهتماماً فعلياً للمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر لإنتاج الكثير من السلع والمواد، لاستغنت سريعاً عن مثيلاتها المستوردة.
لقد سبق واقترح اتحاد غرف الصناعة (إيقاف تمويل المستوردات من المركزي بشكل كامل كون هذه العملية فاقمت من استغلال الفاسدين لفروقات الأسعار، وتهريب الأموال، ولم تحقق أي عدالة في التسعير بين أبناء المهنة الواحدة، ولم تؤد إلى تخفيض الأسعار).
فعلاً لا ندري لماذا يستمر المركزي بتمويل المستوردات مادام التجار يعتمدون تسعير مستورداتهم وفق التسعيرة السوداء، بل ويُدخلون كمية كبيرة من مستورداتهم عبر المنافذ الرسمية تهريباً، إما تهرباً من تسليم 15% منها إلى (السورية للتجارة)، أو للتوثيق بأنهم لم يستخدموا كامل حصتهم من دولارات المركزي، أو للتهرب من تسديد رسومها وضرائبها للمالية.!
وبما أن تمويل المستوردات لم يحقق هدفه بتخفيض الأسعار، وتخفيف الضغط على الليرة، فالسؤال مشروع: لماذا يستمر المركزي بتمويل المستوردات؟.
لو أن المصرف المركزي ألزم المستوردين بفتح حسابات بالقطع الأجنبي يغذونها من خلال عمليات التصدير، لكان بإمكانهم تمويل مستورداتهم اعتماداً على ذاتهم، واهتموا بتصدير المنتج السوري الذي لايزال خارج اهتمامهم، بل يمكن لغرف التجارة من خلال علاقاتها الدولية والعربية أن تقوم بتبادل سلعي، أي دون قطع أجنبي لمنتجات سورية مقابل منتجات نستوردها منذ سنوات بالدولار، ما يعني تخفيف الضغط على الدولار، وزيادة القدرة الشرائية لليرة.
أكثر من ذلك، يمكن لرجال الأعمال وحيتان المال إقامة شراكات مع نظرائهم من الدول الصديقة لتصنيع الكثير من السلع والمواد في سورية بدلاً من استيرادها بالقطع الأجنبي، وتصدير الفائض منها بالدولار!
وما دمنا في إطار الحديث عن الإنتاج كداعم أساسي لليرة، والحد من نزيف القطع، فإننا نستغرب جداً تقاعس وزارة المالية عن دعم الصناعيين وأصحاب المشاريع المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر بالقروض المصرفية.!
وبما أن المصارف لا يمكن أن تقرض الصناعيين والمنتجين بفوائد قليلة، فمن واجب الحكومة أن تدعم فوائد القروض إلى الحد الذي يساعد جميع الصناعيين بالإقلاع بمعاملهم، وتأسيس مشاريع جديدة تغني عن الاستيراد، وتصدر إلى الأسواق الخارجية كما كانت تفعل حتى عام 2011 !
أكثر من ذلك، يجب على الحكومة أن تدعم قروض المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر التي بدأت تنتج بصفر فوائد، لأنها أغنتها عن الاستيراد بالقطع الأجنبي، وساهمت بتحسن القدرة الشرائية لليرة.!
نعم، الإقراض المصرفي، وبخاصة القروض الكبيرة، يجب أن ينحصر لخمس سنوات على الأقل بالعملية الإنتاجية، لأن هذه القروض تستخدم للمضاربة بالليرة، وتستبدل بالدولار، وتهرب للخارج، تماماً كما حصل منذ سنوات وسنوات.!
وبدلاً من أن تصر وزارة المالية على تحصيل الفوائد والغرامات والرسوم على المصانع المتضررة طوال فترة توقفها، عليها أن تعفيها منها، بل وتقرضها مجدداً كي تتمكن من النهوض والإقلاع.
بالمختصر المفيد: لا يمكن زيادة احتياطي القطع الأجنبي، وزيادة القدرة الشرائية لليرة إلا من خلال عملية إنتاجية ضخمة، أي بتفعيل تصنيع بدائل المستوردات بالأفعال لا بالأقوال.!
علي عبود