نوافذ 68
عبد الكريم النّاعم
أتساءل، ربّما كما يتساءل غيري من عباد الله الذين لا يستطيعون إيقاف أدمغتهم عن التفكير، بل ولا يريدون ذلك: لماذا نلوم أبناءنا الذين فُتنوا بالغرب، وتقليده في معظم تقليعاته التي تصلنا بسرعة الصوت؟! هذه الأجيال قد جرى تحويلها إلى شبه أدوات سريعة الاستجابة لأيّ مُنبّه غربي، بحكم سرعة بثّ ما يُراد بثّه، وما أكثر تلك الأدوات، وما أعمقها تأثيراً، حتى أصبحنا نرى مَن يُسعده أن يتقمّص أنّه يسير في شوارع المدن الغربيّة، ولا شكّ أنّ كون تلك البلاد هي بلد “المركز” يلعب دوراً نوعيّاً، في ذلك الاستقطاب، وهذا يفتح نافذة أخرى باتّجاه ما نسميه بلاد الشرق الأقصى، وأعني من إيران حتى اليابان، أعني البلدان التي حقّقت تقدّما عميقاً في بنائها الاجتماعي الثقافي الاقتصادي، فغيابها عن التأثير يشهد على غيابها عن هذا الفعل، بحكم تكتّل بلاد المركز، وبعثرة تلك البلدان، على ما يبدو بينها من تنسيق، وتقارب، وهذا يطرح إشكاليّة ذلك الغياب، وربّما استمرّ طويلاً حتى تتغيّر فاعليّة المركز، وتنتقل، وهذا مشروط بالكثير من التحوّلات على مستوى جميع الأصعدة، ويأتي في مقدّمتها، في حال حدوث شيء من هذا أن يُرفع شعار مقاومة (الظلم) بأشكاله، وأن يخرج ذلك من حدود الشعار إلى حيّز التطبيق، والمثول.
يرى أبناؤنا أنّ مسألة “الفساد” التي طغت في مجتمعاتنا ما تكاد تبين في بلدان الغرب، وهو إنْ وُجد فبحدود ضيّقة، ومستورة، وخفيّة، وصرامة القانون تهدّد مرتكبيها، وهو قليل قياساً بما هو سائد في بلداننا، يُضاف إلى ذلك أنْ لا أحد في الغرب يستطيع جهاراً نهاراً أن يُخالف القانون، بينما هو محميّ، في بعض البلدان، بقوّة فساد صاحبه، والذي يُدافع عمّا هو فيه بإفساد الآخرين، عبر الرّشى، والتنفيعات.
تُرى، هل يستطيع الاستمرار مدير شركة خاسرة في تلك البلدان؟! إنّه سيجد نفسه وقد فقدَ منصبه، وموقعه، بل وسُمعته، بينما يستطيع أمثال هذا في بلدان أخرى الاستمرار بقوّة، وثقة، فهو محميّ من قِبَل جهات قادرة على فعل ما تريد!!.
في السياق، لاشكّ أنّكم قرأتم ذلك السيل من التساؤلات التي طُرحت على صفحات التواصل الاجتماعي والتي أعربت عن دهشتها من وجود “الكافيار”، وموبايلات الآي فون، وأحدث أنواع السيارات، والعطور، والألبسة التي يعجز عن شرائها في بلد المنشأ إلاّ أغنياؤه، بينما وصلت الغالبية من شرائحنا الاجتماعيّة حدّ صعوبة تأمين الطعام، وهي موجودة في أسواقنا!!.
يسود الفاسد حتى ليُصبح قدوة لأحلام الحالمين من أجيالنا الطّالعة، ويصبح من أحلامهم أن يكونوا كهذا أو ذاك ممّن أثروا في ظروف غير طبيعيّة، وغير مشروعة، فلا يعنيه أن يكون فاسداً أخلاقيّاً، بل كل همّه أن يكون عنده بيت، وسيارة، ومبلغ كبير من المال.
أن يُصبح الفاسد قدوة، رغم تقييم الناس له أنّه فاسد، فذلك منزلق خطير مدمِّر، يحمل في ثناياه خلايا سرطانيّة شديدة الفتك، فهل بمثل هذا يمكن النّهوض، للخروج من منطقة الحرائق إلى مناطق البناء؟!!.
يرى البعض أنّ التركيز على التربية الأخلاقيّة، في البيت، والمدرسة، والمجتمع، يمكن أن يشكّل مخرَجاً لهذا الانسداد، وهو رأي قد تكون له وجاهته، بيد أنّ مثل هذا الكلام يبدو عامّاً، شبه غائم، إذ لا يمكن الوصول إلى ذلك الهدف ما دام ثمّة فساد يضرب بجذوره بذلك القدر الذي أشرنا إلى بعض مواصفاته، ومن أجل تحقيق ذلك يبدو أنّه لا بدّ من القيام بعمل خارق، يرتقي إلى مستوى التضحيات التي قدّمتها شرائح هذا المجتمع الفقيرة، وهذا يحتاج إلى أدوات نظيفة، تجد من يحميها من تغوّل الفاسدين، وأن نستعيد قيم الأمانة، والإيثار، والتضحية، ونظافة اليد والضمير، وأنا واثق أنّ في أبناء هذا المجتمع أعداداً كبيرة ممّن يليق بهم أن يُشكّلوا تلك الصوى، في ضمائرهم كما في سلوكهم.
aaalnaem@gmail.com