الانتخابات الرئاسية السورية.. الاستهداف بدأ قبل الإعلان عن الاستحقاق
محمد نادر العمري
من المتوقع أن تزداد وتيرة التصريحات والسلوكيات الخارجية المعادية لإنجاز الاستحقاق الدستوري السوري المتمثّل في الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها في العشر الأخير من شهر أيار 2021 _ وفق الموعد الذي أعلنه مجلس الشعب بالنسبة للمقترعين في الخارج والداخل_ بالتزامن مع استخدام كافة الضغوط التي لن تختلف كثيراً عن الضغوط التي تعرضت لها سورية في انتخابات الرئاسية عام 2014، وإن اختلف شكل وأساليب هذه الضغوط.
في انتخابات عام 2014 قامت الدول المعادية لسورية، وحتى منظمة الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص إلى سورية حينها الأخضر الإبراهيمي، بممارسة ضغوط مختلفة لعدم إنجاز الانتخابات، بذريعة سيطرة الإرهابيين على أكثر من نصف مساحة الجغرافية لسورية، والتشكيك في قدرة الدولة على توفير الأمن للناخبين وعدم القدرة على نشر المراكز الانتخابية في الكثير من المدن السورية، بالتزامن مع قيام متزعمي المجموعات الإرهابية بتهديد السوريين باستهدافهم العاصمة دمشق والكثير من المناطق التي ستشهد انتخابات بالقذائف. في حين إن الواقع الحالي يؤكد ممارسة ذات الضغوط والاختلاف في الأسلوب والشكل فقط وإن كان المضمون والهدف هو ذاته.
وبالرغم من كل ما سبق، تصر الدولة السورية على إنجاز كل الاستحقاقات الدستورية بمواعيدها المحددة -باستثناء الانتخابات البرلمانية السابقة عام 2020 التي تأخرت لأشهر بسبب انتشار وباء كورونا- التزاماً منها بالحفاظ على الحياة الدستورية وشرعية ممارسة الأداء السياسي الذي تحاول الدول الخارجية استهدافه تحت ذريعة “عدم وجود الشرعية”، وهي – أي الدول المعتدية على سورية – تصر على تأجيل كل الانتخابات بانتظار الفرصة التي يتم إجراؤها فيها بإشراف من الدول التي لها تاريخ بتزوير الانتخابات والتلاعب بها وسرقة نتائجها.
ولتعزيز توجه استهداف الانتخابات الرئاسية في العام 2021، ومحاولة تأجيلها لأغراض تبتغيها الدول المعتدية على سورية، أو على الأقل محاولة عدم الاعتراف بشرعية نتائجها، سارعت هذه الدول ومن يدور في فلكها من مجاميع إرهابية وانفصالية لإتباع عدة وسائل ضغط، مثلت أدوات جديدة لها لتحقيق أهدافها، وتمثّل ذلك في:
– فرض ما سمي بـ “قانون قيصر” ودخوله حيز التنفيذ في منتصف عام 2020، بهدف استهداف الوضع المعيشي للمواطن السوري عبر تجفيف منابع الموارد المادية، ودفعه نحو عدم المشاركة في الحياة السياسية، وعبر الترويج بأن الدولة السورية هي المسؤولة عن تردي الأوضاع المعيشية والخدمية، وهذا ما عبر عنه بكل صراحة ووضوح المبعوث الأمريكي السابق إلى سورية جيمس جيفري في شباط العام الفائت، وقبل دخول “قيصر” حيز التنفيذ بالقول: إن “واشنطن لن تعترف بنتائج انتخابات الرئاسية القادمة”. وهذا يعني أن “قيصر” كان مجرد أداة للضغط على الدولة السورية للإذعان للمطالب الأمريكية، وهي تهدد بـ “قيصر 2 ” في محاولة لترويع السوريين، والذين يشكلون هدف الإرهاب والحصار الاقتصادي، لدفعهم، وفق الرؤية الأمريكية، للتخلي عن دعمهم للدولة والمؤسسات الوطنية.
– وضع شروط من قبل بعض الدول للاعتراف بشرعية الانتخابات القادمة، وهذه الشروط تحمل ثغرات من شأنها التدخل في الانتخابات ومضمونها، ولها تأثير على النتائج حتماً وفق توجهات هذه الدول، بما في ذلك وثيقة من أربعة شروط كانت فرنسا تبنتها في شهر تشرين الثاني من العام السابق، وهو ما يشكل تدخلاً في الشؤون السيادية السورية.
– توظيف الإعلام بمختلف وسائله في حملة من شأنها تزييف الحقائق والوقائع منذ قرابة العام، ونشر فيديوهات عبر صفحات مؤقتة تحمل أسماء متعددة تشير بشكل أو بآخر إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة، قبل تحديد موعد الانتخابات وفتح باب الترشح.
– العودة بالتلويح بـ “ملف الكيميائي”، سواء من خلال ما ادعته صحيفة “واشنطن بوست” منذ أسابيع عن وجود مخازن لدى سورية لم تكشف عنها في عام 2013 و2014، أو التحرك الغربي عبر تحميل الدولة السورية مسؤولية ما حصل في سراقب، أو ربما من خلال التجهيز لافتعال مسرحية من قبل الإرهابيين في إدلب أو ريفها، وكل ذلك مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية.
وأكثر ما تخشاه الدول المعتدية على سورية في حقيقة الأمر، هو تكرار مشاهدة الأمواج البشرية التي شهدتها السفارة السورية في لبنان من أعداد غفيرة لسوريين شاركوا في الانتخابات عام 2014، لذلك من المحتمل وبشكل يفوق التأكيد بأن هذه الدول ستمنع السوريين من التوجّه لصناديق الاقتراع، وستمارس ضغوطاً على الدول المضيفة للاجئين، وخاصة الأردن ولبنان والعراق وبعض الدول الأوروبية، لعدم السماح بإجراء الانتخابات على أراضيها.
وفي هذا السياق، تؤكد الاشتراطات الأمريكية والأوروبية الأخيرة قبل تحديد موعد الانتخابات ومعرفة المرشحين لها أن التناغم الأمريكي الأوروبي واضح في استهداف المسار السياسي السوري بذرائع متعددة وبما يتناسب في المحصلة مع مصالح هذه الدول وليس بما يتطابق مع معايير الديمقراطية.