التركيز على الحراك الاقتصادي وتعديل القوانين الجامدة.. الطريق لتحسن سعر الصرف
دمشق- فاتن شنان
تشهد قيمة الليرة السورية تحسناً مطرداً أمام تراجع أسعار الصرف منذ أسابيع، كنتيجة ملموسة لإجراءات وتدخلات رسمية حكومية، بعد سلسلة ارتفاعات غير منطقية قادها بعض المضاربين والمستفيدين من تذبذبات سعر الصرف، ولكن، على الرغم من التحسن الملحوظ في قيمة الليرة، إذ فاقت النسبة نحو 70%، إلا أنه مازال يعتري المواطنين بعض التوجس مخافة الارتفاعات اللاحقة والردات السريعة التي طالما شهدتها السوق خلال الفترات الماضية، وعليه يبدو أن توضيح السياسة النقدية من ضرورات المرحلة لنشر الثقة بالإجراءات الحالية، والبدء بتنشيط العملية الإنتاجية والاستثمارية.
تحفيز وتعديل
لا شك أن التركيز على الحراك الاقتصادي، وتحفيز البيئة الاقتصادية والاستثمارية والتجارية، هما أس عملية تحسن قيمة الليرة، بحسب مدير عام هيئة الأوراق المالية عابد فضلية، بالتوازي مع تعديل بعض القوانين المعيقة والجامدة التي تؤثر بشكل مباشر على مسارات الاستثمار، والبدء بالإنتاج، فالحراك الاقتصادي يحقق أهداف السياسة النقدية، وليست عمليات التدخل ببيع وشراء الدولار التي يمكنها تخفيض أو تثبيت سعر الصرف جزئياً، لكنها لا تنعش أو تحرك الاقتصاد الوطني، وتبقى إيرادات القطع الأجنبي محدودة لخزينة الدولة ما لم تتخذ قرارات من شأنها جذب القطع الأجنبي، أو توفير بيئة تحفز من يمتلك القطع الأجنبي أن يطرحه بالسوق من خلال الاستثمار، كما يجب أن تعتمد السياسة النقدية على الإنتاج، والتصدير، وتوجيه المدخرات إلى مسار الاقتصاد لينعكس على سعر الصرف.
مسؤولية جماعية
رشحت عن العديد من المصادر أن القرارات والإجراءات المتبعة حالياً هي قرارات قديمة، إلا أنها لم تنفذ، وفي هذا السياق بيّن فضلية صحة ما تم طرحه منذ زمن، وعُقد من أجلها الكثير من الاجتماعات، وتمت المطالبة بتنفيذها، خاصة فيما يتعلق برفع سعر الصرف باتجاه السعر الحقيقي بغية تقليص الفجوة، ولكن لم تكن هناك الجرأة لاتخاذ القرار وتصحيح مسار السياسة النقدية، ما أدى بالنتيجة إلى تدهور سعر الصرف، ولكن بالمقابل يصر فضلية على أن الأمر ليس من مهمة المصرف المركزي فقط، بل هي مسؤولية جماعية لكافة الجهات المعنية، إذ إن المركزي مسؤول عن السياسة النقدية، ولكن لا يمكنه العمل وحيداً في مساره، ولن يستطيع السيطرة على سعر الصرف، وقدرته على تنفيذ قراراته النقدية لن تكون مكتملة، لذلك هي مسؤولية مشتركة على عاتق جميع الفعاليات الاقتصادية، وهي حصيلة حراك اقتصادي، ولابد من اضطلاع كافة الجهات المعنية كوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، كمنشط للاقتصاد، ووزارة الصناعة كمحرك للاستثمار، والهيئة وسوق دمشق للأوراق المالية لتشجيع الاستثمار في البورصة لتحقيق أهداف السياسة المالية لكي تؤتي أكلها، ولابد من الإشارة إلى المبدأ الذي طرحه السيد الرئيس بأن ضعف الليرة من ضعف الاقتصاد، وبالتالي لابد من ترجمتها بأن قوة الليرة من قوة الاقتصاد، ولكن للأسف هذه الفكرة غير حاضرة في أذهان الكثير من أصحاب القرارات، بل تم ربط تحسن الليرة السورية بسعر الدولار فقط.
لن تتكرر
يبدو أن عدم الربط ما بين محفزات تحديد أهداف السياسة النقدية، والفكر، والتطبيق، والإجراءات على الواقع، تتصدر المعيقات في تصحيح مسار السياسة النقدية، حيث طرح فضلية مثالاً على السلوك والتطبيق كالتهريب غير القانوني باتجاه الخارج، ولكن من حيث المبدأ يمكن اعتباره سلوكاً يساعد في تحقيق أهداف السياسة النقدية ولو بنسب ضئيلة، باستثناء السلع المدعومة من قبل الحكومة، وبالتالي فإن الرؤية الصحيحة للسياسة النقدية، وربطها مع السياسة الاقتصادية والاستثمارية والمالية، والتطبيق الصحيح، كل ذلك سيمنع حدوث هزات اقتصادية، كما في السابق، إلا إن كان هناك تدخل خارجي، ولكن بالمجمل الهزات المفتعلة لن تتكرر في المستقبل القريب، كما أن الوضع في المدى البعيد سيكون أفضل حتى إن ارتفع سعر القطع الأجنبي، وذلك لتحسن الوضع الاقتصادي والقوة الشرائية.
بطء معالجة
وكي لا تتكرر مرحلة المضاربات، لاسيما أن للهيئة دوراً في جذب رؤوس الأموال باتجاه الاستثمار في سوق دمشق كاستثمار آمن، ويمنع الانحراف باتجاه المضاربة، أوضح فضلية أن للهيئة دوراً رقابياً إشرافياً لتحسين العمل، وللرقابة على مسار عمل شركات المساهمة، لاسيما العامة منها، والمدرجة في سوق دمشق للأوراق المالية، إذ تحرص على عملية تداول وشراء الأسهم بالأسعار الحقيقية، والهيئة باعتبارها جزءاً من الاقتصاد السوري معنية بتشجيع الاستثمار بالأسهم عن طريق تشجيع تأسيس شركات مساهمة عامة جديدة، إذ يسهم تأسيس هذا النوع من الشركات بطرح جزء من أسهمها للبيع والشراء، وبالتالي تعمل على تجميع المكتنزات المالية العقيمة التي تبقى خارج الدورة الاقتصادية، ولا تنحو باتجاه الاستثمار أو الادخار بهدف الاستثمار وضخها في مسار الاستثمار في السوق، وبيّن أن شراء الأسهم يساعد في نمو رأس مال الشركات من آلاف الأفراد دون فوائد أو تكلفة، وتحول قيمة ما تبيعه من الأسهم لشريان الاقتصاد، ولم ينف فضلية أنه خلال الفترة الماضية شاب دور الهيئة نوع من التقصير، رغم تبني الفكرة ومعالجتها، ووضع مسودات للقانون، لكن هناك بطئاً بالمعالجة من كافة الجهات.