ضعف التجهيزات والفهم الخاطئ للاحتراف والمال وراء تراجع كرة السلة السورية.. والعشوائية هي المسيطرة!!
“البعث الأسبوعية” ــ عماد درويش
لا يختلف إثنان على أن لعبة كرة السلة تعتبر من أهم الألعاب في رياضتنا، ولها شعبية تضاهي كرة القدم، ورغم أنها طبقت نظام الاحتراف مبكراً إلا أن الوهن ما زال يؤثر على مفاصلها منذ سنوات طويلة، باعتراف كوادر اللعبة أنفسهم، ويعود ذلك لعدم اهتمام الاتحادات المتعاقبة بمواكبة التطور العالمي، حتى أن الذين يشرفون على اللعبة حالياً مكبلون بالتراكمات التي سادت فيما مضى، كما أن الفوز على إيران غير كافٍ للحكم على تطور اللعبة.
مدرسة المدربين
ودون أدنى شك، فإن تراجع اللعبة يعود بالأساس إلى تراجعها في الأندية، فهي التي تدعم المنتخبات الوطنية، كما أن الاتحادات التي تعاقبت لم تواكب التطور عكس الدول المجاورة التي استقدمت مدربين عالميين ولاعبين مغتربين، في حين ما زالت سلتنا تعتمد على اللاعبين من ذوي الأعمار المتقدمة، كما أن قلة قليلة من مدربينا المحليين – لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة – لديها فكر عالٍ بالتدريب، أما البقية فتعمل وفق أفكار عفا عليها الزمن.
وإذا ما نظرنا إلى الجيل السابق (الرعيل الأول من اللاعبين) لوجدنا أنهم تميزوا عن الجيل الحالي بسبب وجود مدربين على مستوى عال، من أمثال جورج ليون وأحمد صادق يونس وراتب الشيخ نجيب، وغيرهم، في حين أننا نجد في الوقت الراهن أن المدربين لا هم لهم سوى قبض مستحقاتهم المالية دون أن يسعوا لتطوير أنفسهم، وحتى اتحاد اللعبة ليست لديه قدرة على تطوير المدربين، ذلك أن إقامة دورة لمدة ثلاثة أيام في ربوعنا، أو في الدول المجاورة، لا يطور مدرباً كان الأحرى زجه بدورات تدريبية عالية المستوى في الدول المتقدمة، وفي مدارس عالمية متخصصة. وللأسف هناك أندية بالدرجة الممتازة غير جديرة باللعب في دوري المحترفين، بل يجب أن تلعب في الدرجة الأدنى، وعلى القائمين على السلة إبقاء عدد دوري المحترفين ثمانية أندية فقط، بدلاً من 12، وعندها سنصل إلى كرة سلة متطورة.
الاهتمام بالقواعد
أما السبب الفني الأهم فهو عدم الاهتمام بالقواعد التي هي أساس تطور اللعبة، فأغلب الأندية توكل مهمة تدريب القواعد لمدربين ليسوا أكفاء وبأسعار تدريبية زهيدة، وعلى مبدأ “هادا صاحبنا وبيتحملنا!!”، في حين يجب أن يكون مدربو القواعد هم الأفضل والأحسن ومن ذوي المستويات العالية.
وفي هذا السياق، كشف الخبير السلوي عبد الكريم فاخوري لـ “البعث الأسبوعية” أن اللعبة كانت تعتمد سابقاً على المواهب والمدربين المحبين والمخلصين لها، وكانت لدينا طفرات من مدربين أسسوا لكرة سلة عصرية متطورة، لكن الظروف تغيرت، وكل ما نشاهده اليوم عبارة عن لاعبين يمارسون اللعبة حباً بالمال وليس باللعبة ذاتها، باستثناء قلة قليلة، مشيراً إلى أن سلتنا كانت – وما زالت – تمتلك المواهب، وهو ما ظهر في مباريات الدور النهائي لسلة الشباب، إلا أن المشكلة بقيمة المدربين الذين أشرفوا على الأندية التي شاركت بالبطولة، والذين لم يكونوا في مستوى يليق بسمعة اللعبة، وجلهم ممن لم يمارسها إلا على مستوى محدود، وبالتالي فإن تدريب هذه الفئة هو الأساس في التطوير. ولفت فاخوري إلى موضوع مهم يتعلق بالأندية نفسها، فهي المعنية الأولى بتراجع اللعبة، إذ من غير المنطقي أن يتواجد أهم اللاعبين في نادٍ أو اثنين في حين لا تمتلك بقية الأندية لاعبين على مستوى عال، وهو ما أثر بشكل سلبي على مستوى الدوري، وعلى مستوى السلة السورية عامة، مؤكداً أن تواضع مستوى التحكيم والحكام أثر على كرة السلة السورية، وبات الأمر بحاجة لوقفة حازمة من قبل القائمين على اللعبة لإعادتها إلى السكة الصحيحة.
ضعف التجهيزات
أما مدربنا الوطني هيثم جميل فرأى أن سلتنا لم تتراجع، بل تراوح مكانها منذ 30 عاماً، على عكس بقية الدول التي قفزت قفزات واسعة باللعبة. وعدّد الجميل مجموعة من الأسباب التي أدت لهذا التراجع، ومنها أننا نفتقد وجود الصالات، ولو قارنا أنفسنا بدول الجوار سنجد أن صالاتنا، ومنذ عقود طويلة من الزمن، هي نفسها ولم يتم بناء غيرها، في حين أن عدد الممارسين للعبة زاد كثيراً، وشعبيتها ارتفعت، وعدد الصالات هو نفسه؛ ولكي تتطور اللعبة يجب أن يكون لها ملاعب خارجية (حدائق ومدارس.. إلخ) لكي تستوعب الكم الهائل من اللاعبين، وتلك مسؤولية الجهات الحكومية والقائمين على الرياضة.
وأضاف الجميل: هناك أيضاً العمل الإداري، فما زال القائمون على اللعبة “مصرين” على تبني الأفكار القديمة البالية، فالعمل الإداري بحاجة للتخطيط السليم للمستقبل، وهو ما يقودنا للتساؤل حول كيفية تنظيم مسابقات الدوري لكافة الفئات.. وللأسف، منذ 15 سنة ونحن نتخبط بالقرارات الإدارية وبأعمار اللاعبين وباللاعبين الأجانب؛ كما أننا لم نجد لنا هوية، وكل ما كان يجري سابقاً مجرد اجتهادات شخصية من بعض الأندية، وفي محطات معينة، وربما لوجود الإمكانيات وقتها؛ أما كسياسة حقيقية للعبة فهي غير موجودة، وهنا أتساءل: هل خلال الـ 20 سنة الماضية استطعنا أن نؤمن للعبة دخلاً مادياً؟ وهل كانت هناك عملية تسويق حقيقية، أو مصادر دخل لاتحاد اللعبة غير الاعتماد على المكتب التنفيذي والمعونات؟ أعتقد أن هذه واحدة من المشاكل التي انعكست على المستوى العام لسلتنا!!
وأشار الجميل إلى أن إدارات الأندية تتحمل جزءاً من تراجع اللعبة لجهة تعاملها مع اللاعبين والمدربين، ومع نظام الاحتراف، وبعض الأندية لا تمتلك هيكليات إدارية ومالية وتنظيمية متطورة من نظام عقود وحوافز ومكافآت وعقوبات.. وللأسف، ما نراه حالياً أن اللاعب هو المسيطر على النادي وليس العكس!!
وتحدث الجميل عن أنه من غير المقبول أن يتم التعاقد مع اللاعبين لمدة موسم واحد، كما لا يجوز الاحتفاظ باللاعبين حتى يتجاوزوا العشرين عاماً، مشدداً على أن المدربين هم الحلقة الأضعف فحقوقهم وحمايتهم غير موجودة، ولا تتوفر لهم أدنى متطلبات العمل، مثل أوقات تدريب في الصالات أو تجهيزات لوجستية (كرات أو أدوات خاصة بالتدريب)، فضلاً عن أن نظام الدوري لم يتطور منذ العام 2000، ونحن نلعب بالنظام نفسه، كما أن آلية الاحتراف المعمول بها، وطريقة صرف الأموال، غير منطقية.. كل هذه الأمور مجتمعة أثرت وتؤثر بشكل غير مباشر على تراجع كرة السلة.
عشوائية واضحة
المدرب الوطني هشام الشمعة كشف أن تراجع كرة السلة له أسباب كثيرة، فالعشوائية هي المسيطرة، حيث نجد أن أحد الأندية الكبيرة يتعاقد مع مدرب أجنبي، ومن ثم يقيله كونه لا يفقه بالتدريب!! وأن مدربي القواعد يعملون في أكثر من ناد بالوقت نفسه!! وأن مدرباً لسيدات ناد يدرب الناشئين أو الشباب في ناد آخر!! ومدرباً متخصصاً بتدريب السيدات يدرب الرجال!! وإدارياً في ناد ما يدرب في نادي ثان!! إضافة إلى أن المستوى الفني للفرق غير ثابت خلال الدوري، أي أن اللعب يتم بعشوائية، والدليل أن “الثورة” فاز على “الوحدة” وخسر أمام “الحرية”، و”الوحدة” فاز على “الكرامة” وخسر أمام “الثورة”، و”الاتحاد فريق يجب أن ينافس على اللقب لكنه لا يستقر على مدرب واحد؛ وهناك أمر ثانٍ يتمثل بالحكام، حيث تعمل إدارية في أحد أندية العاصمة حكمةً للطاولة!! ولاعبة في نادي درجة ممتازة تقود مباريات بقية الفئات كحكم!! وهناك حكام غير جديرين يقودون مباريات حساسة، ويصلون بها إلى شاطئ الـ “لا أمان”، بل إن أحدهم – وبصافرة خطأ، وفي الثانية الأخيرة – تسبب بهبوط فريق إلى الدرجة الثانية، وهناك رؤساء أندية يقومون مقام المدربين وهم من عداد لعبة كرة القدم.. وللأسف، فإن اتحاد اللعبة – بدلاً من التشدد – يتغاضى عن منع الازدواجية.. وحتى في أمانة سر الاتحاد، المعروف عنها أهميتها بالنسبة للعبة – جاؤوا بأمينة سر لا تعرف الفرق بين كرة السلة والطائرة!!
وأضاف الشمعة: العشوائية لم تقتصر على مفاصل اللعبة، بل شملت منتخبنا الأول؛ ولعل فوزنا على إيران لا يحسب لجهابذة الاتحاد بل لقوة مدربنا الذي قرأ المباراة جيداً، في حين أن مدربينا بعيدون عن مثل هذه القراءات؛ كما أن لاعبنا المجنس “كيل” كان السبب المباشر بالفوز، ولو لعب منتخبنا من دونه لخسر منتخبنا مع اليمن!
ونوه الشمعة إلى أن المال هو أحد الأسباب الرئيسية لتراجع اللعبة، والدليل أن أعمار معظم لاعبينا ولاعباتنا كبيرة، ولولا حاجتهم للمال لما استمروا باللعب، وكذلك أنديتنا التي تفتقر للمال فتبحث عن لاعبين ولاعبات بأرخص الثمن!!