لماذا تقلص الولايات المتحدة عدد قواتها العسكرية في الشرق الأوسط؟
“البعث الأسبوعية” ــ سمر سامي السمارة
ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال في مقال نشرته مطلع نيسان الحالي أن الرئيس جو بايدن أصدر تعليماته للبنتاغون للبدء بسحب بعض الأصول العسكرية الأمريكية من منطقة الخليج العربي؛ ويأتي ذلك كمحاولة من البيت الأبيض “لإعادة توجيه التواجد العسكري الأمريكي العالمي بعيداً عن الشرق الأوسط”.
وقد أعرب الكاتب عن أمله في ألا تتحول هذه المعلومات التي نُشرت في يوم “عيد الكذب”، الأول من نيسان، إلى مجرد كذبة أخرى، كما كان الحال في تصريح سابق للبيت الأبيض عن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وسورية والعراق.
وتقول واشنطن أن إعادة تجميع الأصول العسكرية الأمريكية تأتي، في وقت تواجه السعودية، بشكل متزايد، هجمات صاروخية وطائرات بدون طيار من مناطق في اليمن والعراق. في هذه الحالة، بحسب التقرير، فإن معاقبة السعودية هو أحد الأسباب لاتخاذ هذه الإجراءات، خاصة وأن بايدن كان قد وعد بعد توليه منصبه، بـ “إعادة تنسيق” العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية، واتخذ بعض “الخطوات الصعبة”، وعلى وجه الخصوص تجميد بيع الأسلحة الهجومية التي استخدمتها الرياض خلال الأعوام الستة الماضية في حربها على اليمن.
ومع ذلك، من الواضح أيضاً، أن إدارة بايدن اضطرت إلى سحب القوات الأمريكية من الشرق الأوسط بسبب تنامي المشاعر المعادية لأمريكا، خاصة في سورية والعراق.
في 10 من آذار الفائت، نشرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نتائج الدراسة الاستقصائية الاجتماعية التي أجرتها على 1400 سوري ممن يعيشون في سورية ولبنان وألمانيا، والتي أكد جميعهم فيها رفض السياسة الأمريكية في سورية وفي الشرق بشكل عام، كما أظهر الاستطلاع أن واحداً من بين كل شابين، ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و25 عاماً، فقد أحد أفراد عائلته أو أحد أصدقائه، وأن واحداً من كل ستة سوريين قتل أو جرح أحد والديه، فالتدخل العسكري الأمريكي أدى إلى تدمير سورية، وأصبح 8 من كل 10 سوريين تقريباً يكافحون من أجل توفير الغذاء والحاجات الأساسية الأخرى.
فاقم نهب واشنطن الممنهج للقطع الأثرية التاريخية، والكنوز الوطنية الأخرى، كالنفط والغذاء، المشاعر المعادية لأمريكا بشكل متزايد في سورية، فقد بدأت قوات الاحتلال الأمريكي في 23 آذار بنقل قافلة من 300 شاحنة محملة بالنفط المسروق من الحقول السورية إلى الأراضي العراقية عبر معبر المحمودية غير الشرعي؛ وفي الأشهر الأخيرة كانت العشرات من قوافل النفط السوري المسروق تعبر الحدود إلى العراق.
بالإضافة إلى ذلك، نقلت قوات الاحتلال الأمريكي، في نهاية شهر آذار فقط ، 38 شاحنة محملة بالقمح السوري من مخازن الحبوب المسروقة في قرية تل علو بمحافظة الحسكة إلى الأراضي العراقية، وقبل ذلك بأسبوع نقلت 18 شاحنة أخرى حبوباً مسروقة من مخازن الحبوب عبر معبر سيمالكا.
لذلك، من غير المستغرب أن ترد المزيد من التقارير حول قصف القواعد العسكرية الأمريكية في سورية والعراق، كرد على مثل هذه الأعمال غير القانونية للقوات الأمريكية المحتلة. وقد أفادت تقارير لوكالات أنباء الشرق الأوسط، نهاية شهر آذار، أن مجهولين أطلقوا صواريخ من وحدات متنقلة على قاعدة أميركية في محافظة دير الزور، في منطقة الحقول النفطية التي تحتلها القوات الأمريكية. وتشير التقارير إلى إصابة عدد من الجنود الأمريكيين. وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن، الهجمات الصاروخية على المواقع العسكرية الأمريكية في شمال شرق سورية تحدث بشكل شبه منتظم.
إجراءات مماثلة ضد جنود أمريكيين تحدث في العراق، ففي أواخر آذار تم تفجير شاحنات محملة بمواد لقوات التحالف الدولي بقيادة وزارة الدفاع الأمريكية في عدة مدن في الأجزاء الجنوبية والوسطى من العراق. وفي وقت سابق، في 10 تشرين الأول 2020 ، أعلنت “جبهة المقاومة العراقية”، عن إمكانية “وقف مؤقت للعمليات ضد القوات العسكرية الأجنبية، وفي مقدمتها القوات الأمريكية للسماح لها بالانسحاب من العراق”.
في نهاية العام الماضي، كان 50 ألف جندي أمريكي يتواجدون في قواعد دائمة ومعاقل أمريكية مؤقتة في الشرق الأوسط، على الرغم من أنه في ذروة التوترات بين إدارة ترامب وإيران قبل عامين تقريباً، كان يتواجد 90 ألف جندي تقريباً.
من المعروف أن الولايات المتحدة قد سحبت بالفعل ثلاث بطاريات من أنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت من منطقة الخليج العربي، إحداها من قاعدة الأمير سلطان الجوية في السعودية، والتي تم نشرها في السنوات الأخيرة لحماية القوات الأمريكية. ومن المتوقع أن تشهد حاملة الطائرات وأنظمة المراقبة مصيراً مماثلاً، وتدرس واشنطن خيارات أخرى لتقليص وجودها العسكري في الشرق الأوسط.
ومع ذلك، فإن تقليص عدد القوات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ليس مؤشراً على انتقال واشنطن إلى سياسة خارجية محبة للسلام، إذ تعتزم واشنطن نقل بعض المعدات العسكرية والأفراد العسكريين إلى مناطق أخرى من أجل التركيز على روسيا والصين، اللتين أعلن البنتاغون أنهما المنافستان الرئيسيتان للولايات المتحدة، كما أن البيت الأبيض يُخفي حقيقة أنه، بدلاً من تواجد القوات الأمريكية في المنطقة، سيتم إرسال العديد من الشركات العسكرية الأمريكية الخاصة، على غرار ما حدث في أفغانستان والعراق، وسيكون الهدف الرئيسي لها “رعاية” استمرار التدخل الأمريكي في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، أعلن ممثلو القيادة المركزية الأمريكية، التي تشمل منطقة مسؤوليتها الشرق الأوسط، أنهم قد أجروا “عمليات اختبار” في ميناء ينبع السعودي، بما في ذلك تفريغ وشحن البضائع من إحدى المنشآت العسكرية في المنطقة، كما أجرى البنتاغون “تجارب” مماثلة في عدد من القواعد الجوية والموانئ البحرية الأخرى في المناطق الغربية من السعودية في حالة نشوب صراع مسلح مع إيران أو حرب في الشرق الأوسط.
لم يعد خافياً، أن إعادة تجميع القوات وتحرك المعدات العسكرية الأمريكية يرجع إلى رغبة واشنطن في مشاركة المزيد من المسؤولية والمزيد من الإجراءات في الشرق الأوسط ليس فقط مع السعودية، ولكن أيضاً مع حلفائها الغربيين الآخرين.