الغلاف كعتبة أولى للنص
“البعث الأسبوعية” ــ سلوى عباس
من هذا العنوان ندخل إلى علاقة الفنون مع بعضها، ففي الفن التشكيلي مثلاً غالباً ما نقرأ اللوحة التشكيلية بأسلوبية الفنان وتقنياته وألوانه، شغفه بالفن وعشقه له، لكن قراءتنا هذه تحمل في وجهها الآخر قراءة إنسانية لذاتية الفنان وتجليه الوجداني لحظة انفراده مع لوحته، وكيف تتألق روحه بالقلق والنزق لتنجز إبداعاً مشغولاً بمداد الحياة، فتتشارك اللوحة مع فنون إبداعية أخرى، وهذا ما نقرأه في حوارات كثيرة ترصد العلاقة بين الفن والأدب بمختلف أنواعه؛ ففي الشعر مثلاً نقرأ حالات يتماهى فيها الشاعر مع الرسام، فيبتكر الاثنان قصيدة تشكيلية شديدة الإضاءة على علاقة الإنسان بالفن وعلاقة الشعراء بالفنانين، وعلى المفردات المشتركة التي يترجمها الشعراء بشعرية بصرية، والرسامون يقدمون صياغات إبداعية على سطح اللوحة، فتظهر كتجلّيات مفكرَين صديقين عبّرا بلغة تعبيرية قوامها المصارحة والعفوية، عمّا وراء الكلام وعن رؤية كل منهما للعالم بإدراكه الخاص ونظرته الرمزية.
في علاقة كهذه، نقرأ تكاملاً ضمنياً ما بين الشعر والرسم، على الرغم من وجود اختلافات في أساليب التعبير والتأثيرات اللونية واللغوية والمكانية، وهو كشف عن عوالم مستترة يعيشها المبدعون بين مناطق الإغواء والشغف والمشاعر وأساليب التخيّل والتفكير، إضافة إلى عمليات الإدراك الخاصة لموضوعات حسّاسة، فأهمّ ما في العمل الفني أن يكون له عمر مديد، وأن يقوم بيننا وبينه حوار في أي وقت وأية لحظة؛ ولعل اللوحة تأخذ بعداً مختلفاً عندما تختصر مضمون كتاب ما من خلال الغلاف، فنقرأ حالة أخرى من التماهي بين الفن والأدب عبر أغلفة الكتب بشكل عام والروايات بشكل خاص، فالرسامون يقدمون صياغات إبداعية على سطح اللوحة؛ وكما تحدث أحد الأدباء، فإن “الأغلفة والتخطيطات التي زينت اللوحة بها بعض الصفحات جعلت لهذه الروايات أجنحة جديدة.. لقد قالت بصمت كيف يصبح الكتاب منذ اللحظة الأولى بمجرد أن تلامسه العين صديقاً مثل تحية الصباح، وكابتسامة طفل”.
السؤال الذي يخطر في البال هو: هل الهدف من تصميم أغلفة الروايات إيجاد معادل فني لهذه الروايات؟ ليأتي الجواب بأن التقاطع هو في التاريخ الذي يجمع بين الإثنين، بين الفنان والروائي، إذ يقرأ الفنان الرواية بدقة حتى يقف على أدق التفاصيل فيها قبل البدء بتصميم الغلاف، وبالتالي تعتبر هذه القراءة بمثابة تلخيص للرواية عبر الغلاف الذي يمثّل بشرة الكتاب ورداؤه وهما توءمان، حيث يحتضن الغلاف الكلمات والسطور، فيثير فضول المتلقي للدخول في مسارات السطور، فأغلفة الكتب على درجة عالية من الأهمية، وهناك أغلفة تسوّق للكتاب لغرابتها، كما يوجد أيضاً قارئ بصري يعطي الغلاف أهمية كبيرة لدرجة تأثره بما يقدمه الغلاف من تفاصيل لا يستطيع أن ينفلت منها وكأنها واسطته البصرية لمنطق عقله.
في معظم الأحوال، لا تخلو اللوحة من تفاصيل الرواية وصورها، بحيث يشي الغلاف بعالم السرد، ويكون قادراً على أن يؤهل الداخل لهذا العالم للتوافق مع خيوط النص، فغلاف الكتاب يعتبر من المراحل الأساسية في صناعة النشر، وتبدأ الدار باختيار الغلاف المناسب لعنوان الكتاب. ومن الضروري الربط بين العنوان والمضمون الداخلي للكتاب كي يعطي للمصمم فكرة عن الغلاف والبدء بعمل تصورات معينة ليتم تجهيزه، ومن ثم عرضه على المؤلف؛ ولكن الأهم من التصميم احترافية الطباعة، فالورق والغلاف مهمان جداً، لأن أول ما يلفت الانتباه في الكتاب غلافه، وكلما كان الغلاف مبهراً وواضحاً وغير غامض، وأوراقه جميلة جذب القارئ، فالاهتمام بأغلفة الكتب دليل وعي وتحسن للذائقة الفنية وهي عملية مشتركة بين الكاتب والمصمم، كما أنها فن بحد ذاته تجسّد العمل الروائي في غلافها، لكن للأسف هناك قصور واضح لأغلفة الكتب في عالمنا العربي إذ لا تزال إلى الآن الكتب والمجلدات تحمل ذات التصميم المعتاد، اسم الكتاب وزخرفة على جانبيه.. في حين أصبح الناشرون في الغرب يؤلفون كتباً عن فن الأغلفة، فالقارئ بحاجة لغلاف جذاب يشبع الجانب البصري لديه.