حول الانتخابات الرئاسية.. والدستور
“البعث الأسبوعية” د. مهدي دخل الله
الذين يدعون بأنهم دعاة الديمقراطية وحكم القانون في العالم يضغطون على سورية بحرب تجويع غير مسبوقة كي تعطل الدستور … أي عبث هذا ؟..
تعطيل الدستور يعني الفوضى ، تصوروا لو أن سورية طلبت من دولة ما أن تعطل دستورها ، لماذا سوف تتهم دمشق عندها ؟؟…
في علم السياسة ، لا يقل دستور سورية شرعية عن دستور الولايات المتحدة أو فرنسا أو حتى تلك الدولة التي لا يوجد فيها دستور مكتوب وإنما مجموعة مبادئ وأعراف فقط .. المملكة المتحدة ( بريطانيا ) . بل ما يميز الدستور السوري أن الشعب أقره في مرحلة صعبة أثناء العدوان علينا ، ما يعطيه قوة شعبية استثنائية …
وعلى الرغم من أن الدستور كل متكامل ، إلا أن فيه تراتبية معينة مبنية على مفهوم فصل السلطات . فانتخاب سلطة معينة لا يعني إمكانية تأجيل انتخاب سلطة أخرى ، لأن لكل سلطة مهامها التي لا يمكن أن تعوضها سلطة غيرها …
ومن جانب آخر ، بما أن الدستور قد أقره الشعب عبر استفتاء واسع فمرجعيته تعود للشعب ، ولا تمثله في هذه المرجعية أي سلطة اخرى . أما تعديل بعض المواد – وهو أمر يتم عادة عند جميع الدول وآخرها تعديل بعض مواد الدستورين الصيني والروسي وتعديل الفرنسي في عهد شيراك – فهذا الموضوع يخضع لآليةٍ محددةٍ وواضحة في المادة /150/ من دستورنا نفسه ..
أما عن تقييم المضمون الديمقراطي للدستور السوري .. فلنحتكم إلى المنهجية الوحيدة المقبولة عالمياً ، وهي منهجية المقارنة . هناك اليوم ثلاثة أنواع من الأنظمة السياسية المحددة في دساتير دولها : النظام البرلماني ( لبنان – بريطانيا – إيطاليا ) ، النظام الرئاسي (الولايات المتحدة) ، النظام شبه الرئاسي ( فرنسا – روسيا – سورية ، وغيرها ). لكل من هذه الأنظمة مبادؤها الأساسية المعروفة . أهم مبادئ النظام شبه الرئاسي مبدآن أساسيان :
1 – انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة ( وهو بذلك يلتقي مع النظام الرئاسي ويختلف عن النظام البرلماني ) .
2 – يشكل الرئيس مجلس الوزراء ( وهو بذلك يختلف عن النظام الرئاسي الذي لا يوجد فيه مجلس وزراء ، وإنما سكرتاريون للرئيس فقط ، كما يختلف عن النظام البرلماني في أن البرلمان في ذاك النظام هو الذي يشكل الحكومة ) ..
بل إن الدستور السوري متقدم خطوة عن الدستور الفرنسي في أن رئيس الجمهورية في فرنسا هو في الوقت نفسه رئيس مجلس الوزراء ، بينما يكون من يدير المجلس الوزير الأول فقط ( المادة 9 من الدستور الفرنسي ) ، أما الدستور السوري فرئيس مجلس الوزراء هو شخص غير رئيس الجمهورية .
ولا شك في أن النظام شبه الرئاسي يعطي صلاحيات كبيرة لرئيس الجمهورية ، لأنه منتخب من الشعب مباشرة ، فهو الشخص الوحيد الذي يمثل الشعب في هرم السلطة ، لأن مجلس الشعب ليس شخصاً واحداً وإنما شخصية اعتبارية ( للمزيد من المقارنة بين الدستورين السوري والفرنسي مراجعة كتاب دينا دخل الله : الجمهورية السورية السادسة – نشر وزارة الثقافة 2019 ) .
ويصر الدستور السوري على أن يكون أكثر من مرشح لرئاسة الجمهورية ( الفقرة الخامسة من المادة 85 ) ، بينما الدستور المصري مثلاً لا يصر على التعدد ، ويمكن أن ينجح المرشح بالتزكية إذا كان وحيداً .