العين الحمرا…!
لا تزال ارتدادات المرسوم رقم 8 بمواده الثلاث وثمانين، والخاص بحماية المستهلك ومفاعيله على الأرض، تتوالى وتتفاعل في أكثر من اتجاه وعلى أكثر من صعيد، فيما المواطن (المستهدف) لا يزال ينتظر خطوات واثقة غير خجولة لتعود الأسواق والأسعار والقيمة الشرائية لليرة إلى هدوئها وثباتها، لأنه لم تعد تعنيه الاجتماعات والتصريحات والوعود والضبوط وتبعاتها من إحالات قضائية وتوقيفات على ذمة التحقيق إن لم تأتِ أُكلها وتعيد له ما استلب ويستلب منه عنوة وعن سبق الإصرار والترصد! إذ ليس من الجائز أبداً بعد كل هذه الإجراءات أن يرفض أو يتهرّب تاجر جملة أو نصف جملة من تنظيم فاتورة حقيقية بالأسعار المعلنة، وليس مقبولاً أبداً تقاضي قيمة السلع والمنتجات خلافاً لبنودها “وتفقيطاتها” بحجج وأعذار ممجوجة، لها أول وليس لها آخر، وهي مكشوفة للجميع رغم تشدّد المرسوم وعقوباته الزجرية التي تراوحت بين الغرامة المرتفعة والسجن والإغلاق والجمع بينها أحياناً؟!!.
لكن واقع السوق الحقيقي – والكل يعرف – يشي بممارسات الأمر الواقع للبعض، والقائمة على الالتفاف والتهرب والتنصل من تسطير وتنظيم الفواتير أو تقديم فواتير لا تتطابق مع ما يتقاضونه من أسعار، وفوقها عبارات “هاد الموجود – إذا مو عاجبك لا تاخد – روح اشتكي..” تنعكس سلباً على تراجع الأسعار وتؤخرها وتسيء بشكل أو بآخر لهيبة المؤسسات وحضورها.
وحقيقة الأمر.. أن ثقافة شائعة ومستشرية ومتجذّرة حتى العظم عند المتحكمين بالأسواق وأسعارها لن تستطيع القوانين والمراسيم تصويبها وتقويمها بين ليلة وضحاها، وسيظل سادة السوق “إن لم ينظر إليهم العين الحمرا” الحلقة الأقوى التي تعمل على إفراغها من مضامينها بحكم ارتباطاتهم وتشعّب علاقاتهم ونفوذهم المالي لتحرفها عن غاياتها النبيلة وإبقاء الأسواق لعبة في يدهم ويد من يغطي عليهم ويحميهم، ليظل المستهلك “الغلبان” مضغة سائغة يلوكونها ويطحنونها تحت أسنانهم وأنيابهم!.
من هنا أهمية الإصرار والمتابعة لتكريس حالة الوعي والتعاون الشعبي ونشر ثقافة الشكوى وتشجيع دور المجتمع الأهلي، ولعلّ إشراك أجهزة الإدارة المحلية بوحداتها الإدارية المنتشرة على كامل الجغرافيا السورية لتكون عوناً ورديفاً يساعد في ضبط الأسواق أتى في مكانه الصائب تماماً ويقدم في الوقت نفسه صورة عن تكامل الأدوار للوصول لتطبيق حازم وعادل بآن لنصوص القانون وتصويب الإعوجاج والانتصار للدور وتأكيد قوته وحضوره وفاعليته وانحيازه لحماية الحلقة الأضعف – المواطن – والدفاع عنه.
وفي هذا السياق، يبرز دور مؤسّسات التدخل الإيجابي التي لن يكون دورها إيجابياً خالصاً، إلا بتمكينها أن تكون تاجراً حقيقياً وفق مضمون نظامها الداخلي وحيثيات إحداثها وتوسيع بيكارها وحضورها الوازن وإخراجها من ملعب سيطرة التّجار والوسطاء والسماسرة الذين حولوا مخازينها وصالاتها إلى سوق “مضمونة” لتصريف منتجاتهم الكاسدة وغير الكاسدة وربما الفاسدة أحياناً، فتمكنوا في لحظات ومواقف معينة مع زمرة الفاسدين من إبعادها عن أخذ دورها كتاجر قوي حاضر ومرن يتدخل في كل لحظة ليكسر تفرّد الأسواق وتجارها، ويوجّه ويتحكم بحركة السوق وتصريف السلع والمنتجات وأسعارها ووفرتها لتكون في نهاية المطاف عوناً للمواطن.
وائل علي
ALFENEK1961@YAHOO.COM