عبد الرزاق الحوراني: ما زلنا نفتقد مدراء الإنتاج الأكاديميين
مع انتهاء تصوير مسلسل “سوق الحرير” مؤخراً شكر المنتجُ الفني له عبد الرزاق الحوراني جميعَ الفنانين والفنيين المشاركين فيه، واعداً المشاهدين بمتابعة عمل جيد يحترم ذائقتهم، مبيناً في حوار مع “البعث” أن “سوق الحرير” الذي تنتجه شركة ميسلون والأدهم للأخوين بسام ومؤمن الملا قام العام الماضي مؤمن الملا بإخراج الجزء الأول منه ضمن ظروف صعبة جداً بسبب جائحة كورونا وحالة الحظر التي فُرضت أثناء إنجازه، الأمر الذي جعله يختصر عدداً كبيراً من المَشاهد، وخاصة تلك المتعلقة بنهايته بسبب وجود بعض الممثلين خارج سورية وعدم قدرتهم على العودة لاستكمال التصوير، مبيناً أن المخرج المثنى صبح تابع هذا العام إخراج الجزء الثاني منه وهو مخرج غنيّ عن التعريف، ومنذ البداية تقرّر أن يكون في ثلاثة أجزاء، مختاراً مرحلة الخمسينيات مسرحاً لأحداثه لما كانت تتمتّع بها من ازدهار على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، مؤكداً أن التحدي الكبير الذي يواجه أي عمل مبنيّ على فكرة الأجزاء هو في الابتعاد عن التكرار والسعي لتقديم أفكار وأحداث جديدة دائماً.
محطات سوريّة
ويرى الحوراني أن الأعمال الرمضانية تفرض على المنتج إنجاز عمل صالح لتقديمه طيلة شهر رمضان، ولينجح في منافسة الأعمال الكثيرة المقدّمة في هذا الشهر يجب أن تتوفر فيه كل عناصر التشويق والجذب ومشاركة فنانين نجوم لتقوم المحطات بتبنيه في العرض، مشيراً إلى أن أكبر تحدٍّ واجه هذه الأعمال اليوم هو الإنتاج المكلف جداً، وهذا ما لا يستطيع التلفزيون السوري توفيره بالشكل المطلوب، لذلك فإن غالبية الأعمال الضخمة يسعى أصحابها أولاً لإيجاد محطات كبيرة والاتفاق معها لعرضها، وغالباً ما تكون هذه المحطات شريكة في إنتاجها. ويؤكد الحوراني أنه دون هذه المعادلة لا يمكن إنجاز أعمال مهمة، لذلك يشير إلى ضرورة العمل على وجود محطات سوريّة عديدة كما هي الحال في مصر لتأمين تسويق الأعمال الدرامية، منوهاً ومن خلال تجربة شركة الأخوين بسام ومؤمن الملا المنتجة لـ”سوق الحرير” والعديد من الأعمال السابقة بأن شركات الإنتاج الخارجية والمحطات لم يسبق لها أن تدخلت بالنصوص المُقترحة من قبلها، وهي إما أن توافق عليها أو لا، وهي شركة لا تنفذ نصوصاً ليست لها، ومشهورة بتقديم الأعمال الشامية، وقد اتجهت مؤخراً لتقديم أعمال كـ”سوق الحرير” رغبة منها في الانتقال إلى نوع درامي آخر بهدف التجديد والتطوير، كما أنها لا تميل للإنتاجات الصغيرة، ولا مانع لديها للاتجاه نحو الأعمال المعاصرة في حاول توفّر نص قويّ.
النص أولاً
وكمدير إنتاج في رصيده أكثر من مئة عمل درامي يؤكد الحوراني أن أهم عنصر يجب أن يتوفر في العمل الدرامي الناجح هو النص الذي يجب أن يكون متضمناً لقصص وأحداث مهمّة، ويأتي في المرتبة الثانية اختيار ممثلين نجوم إلى جانب ممثلين شباب، حيث إن أغلب المحطات اليوم تقوم بشراء الأعمال حسب النجوم والفنانين المشاركين بهذا العمل، أما العنصر الثالث فهو البذخ الإنتاجي، حيث يجب أن يكون لدى الشركة المنتجة لأي عمل القدرة على تأمين كل متطلباته بالشكل الأفضل، وهذا ما تحرص عليه شركة ميسلون دائماً في كل أعمالها من خلال تأمين التجهيزات المتطورة رغم نفقتها الباهظة واختيار فنيين محترفين لتقديم صورة ولقطات مميزة لأن وجود فنيين مبتدئين –برأيه- يشكّل عبئاً كبيراً على مسيرة العمل وجودة الصورة التي سيُقَدَّم بها، لذلك يبيّن الحوراني أنه لم يعُد هناك اليوم مكانة للأعمال المتواضعة، فهذه الأعمال لن تجد محطات أو شركات تتبناها لأنها ستكون خاسرة.
لا توجد تعرفة محددة
ولمسيرته الطويلة في إدارة الإنتاج وانتمائه إلى المخضرمين في هذا المجال، يشير الحوراني إلى أن الساحة الدرامية ما زالت تفتقد مدراء الإنتاج الأكاديميين، وهو قد عَمِل في هذا المجال منذ سنوات طويلة وتطوّرت إمكانياته بفضل التجارب الكثيرة والكبيرة التي خاضها والتي شكلت لديه خبرة، موضحاً أن مهمّة مدير الإنتاج تبداً مع ولادة فكرة العمل التي تتطور إلى نصّ فعمل درامي متكامل، حيث يكون مدير الإنتاج مسؤولاً عن تفريغ النص حسب شخصياته ويقوم بتحديد مواقع التصوير وعدد حلقاته والمشاهد فيه وتحديد أيام التصوير والتواصل مع الممثلين الذين تمّ اختيارهم وتسليمهم تفريغ شخصياتهم ومن ثم التفاوض معهم على الأجر المادي، مبيناً أنه لا توجد تعرفة محدّدة للممثلين والفنيين، ولكن بحكم التجربة بات معروفاً ماهو الأجر الوسطي الذي يتقاضاه كل ممثل.
دخلاء على المهنة
عَمِل مع الحوراني (وهو من أوائل من عمل في هذا المجال) الكثيرون، وأصبح عدد كبير منهم مدراء إنتاج، وهو يفتخر بغالبيتهم، إلا أنه يأخذ على معظمهم العصبية، لذلك يرى أن أول درس يجب أن يتعلمه من يريد العمل في هذا المجال الهدوء واحترام الناس والصدق والوضوح والعمل على عدم التقصير في تأمين بيئة صحيحة لكل المشاركين في أي عمل، مؤمناً أن العمل كمدير إنتاج يحتاج للموهبة التي تُصقَل بالتعلم، ولسرعة البديهة والذاكرة القوية والقدرة على التعامل مع أي حدث طارئ، دون أن ينكر أن سمعة بعض مدراء الإنتاج سيئة، والسبب هو وجود دخلاء على هذه المهنة إلا أنه يؤكد أنها مهنة لها معاييرها، ومن لا يعمل وفقها لن يستمر ويحقق النجاح، لذلك يشير الحوراني إلى أهمية وجود قسم إدارة الإنتاج في المعهد العالي للفنون المسرحية لتدريس هذا الاختصاص الذي يشكّل عصب العمل الدرامي، كما يجب أن تأخذ الجامعات الخاصة بعين الاعتبار هذا الاختصاص لتأهيل مدراء إنتاج أكاديميين.
أعمال مشتركة
دخل الحوراني التلفزيون السوري واشتغل في القسم الفني منذ العام 1978حتى العام 1990 ثم انتقل للعمل في الإنتاج وفي رصيده أكثر من 200 عمل، منوهاً بأنه كان يعمل في التلفزيون السوري وكذلك في القطاع الخاص بهدف تطوير خبراته وإمكانياته، فاشتغل مع أهم الفنانين كدريد لحام وبسام الملا ومروان بركات ومؤمن الملا، ويؤكد الحوراني اليوم أن العمل الدرامي يحتاج إلى إمكانيات مادية كبيرة، وهذه الإمكانيات ما زالت متواضعة في القطاع الحكومي، من هنا حاول نقل تجربة القطاع الخاص في مجال التّعرفة إلى مؤسسة الإنتاج الإذاعي والتلفزيوني كونه أحد المؤسّسين لها، وهو يرى أن أكبر عقبة تواجه الدراما السورية منذ سنوات هي التسويق نتيجة الحصار المفروض عليها.
أمينة عباس