ثقافةصحيفة البعث

“الكندوش” مقاربة من الحياة الدمشقية لا تخلو من إسقاطات

“الكندوش” لم يكن عنوان المسلسل فقط وإنما ارتبط بكل تفاصيل العمل الذي بُني على مشاهدات حقيقية عاشها كاتب السيناريو حسام تحسين بيك في طفولته، وقاربت الحياة الاجتماعية الدمشقية بطقوسها وفنونها وموسيقاها القائمة على آلات التخت الشرقي ولاسيما العود، وعشقها الصوفي “يا عشق عشقي وشمس شمسي وقمري” وتفاصيلها اليومية بتوقيع المخرج سمير حسين وإنتاج مجموعة ماهر البرغلي، معتمداً التركيز على الصورة البصرية التي أظهرت التراث الدمشقي المادي واللامادي في الأحياء الدمشقية القديمة داخل المنزل وفي الحارة، وأعطى صورة حقيقية عن التواصل الاجتماعي بين نساء الحارة، يُظهر المستوى الراقي للمرأة الدمشقية التي تلمّ بالفنون وتتمتّع بفنّ إدارة المنزل. والأهم هو التركيز على تعليم الفتيات والاهتمام بذلك كحال بنات عزمي بيك، وإظهار واقع التعليم بإرسال العائلات المرموقة أبناءَها لاستكمال دراستهم الجامعية في باريس كما ورد في سياق الأحداث، وهذا الخط أحد العناصر الأساسية للحياة الدمشقية، كما جسّد العمل صورة عن المرأة الدمشقية من خلال نماذج متعدّدة ابتداء من سيدات الحارة: زوجة عزمي بيك الفنانة صباح الجزائري، إلى زوجة أحد أعيان الحارة (أمية ملص)، إلى زوجة المختار (رغداء هاشم)، إلى شخصية الخياطة “نبيهة” شكران مرتجى، والداية التي قدّمتها الفنانة وفاء موصللي بروح جديدة، أما النجمة سامية الجزائري فأضافت جمالية إلى العمل بشخصية “أم مصطفى” بأدائها الممتزج بالأمثال الشعبية والمفردات التي تحمل سخرية لاذعة، وبحالة البخل التي تضيق بها الخناق على أولادها، إضافة إلى السيطرة على حياة ابنها مصطفى وإلغاء شخصيته، فأصبح بعيداً عن سمات التاجر الدمشقي المحنك، والملفت أيضاً القسوة بتعاملها مع ابنتها الخياطة نبيهة التي مثلت حالة من حالات المرأة المظلومة ابتداءً من بيتها.

كما تطرق تحسين بيك إلى المرأة الفقيرة ومعاناتها الاجتماعية التي تظهر الفوارق بين الطبقات الاجتماعية، وتدخل الأحداث شخصية الأرملة (سلاف فواخرجي) “ياسمين” التي عانت من ظلم زوجها وضربه المبرح إلى أن تحرّرت منه بموته، لتواجه طمع سلفها بها الذي لا يختلف بعقليته الظالمة المتحجرة عن أخيه، فتقف في وجهه وترفض الزواج منه.

الصراع بين الخير والشر

وقد تكاملت الأحداث بصورة لا تخلو من الفكاهة من خلال دور الثنائي العطار (أيمن رضا) والحلاق (حسام تحسين بيك) ومن المبالغة حيناً. وتبقى الشخصية الأساسية شخصية الزعيم النجم أيمن زيدان والتي قدّمها بواقعية وجدية بعيدة عن فانتازيا الزعيم، والملفت تقديم نماذج جديدة من الكاركترات مثل الحانوتي-فايز قزق “أبو الآس” مغسل الأموات الذي أخذ دور الحكواتي في محله بدلاً من المقهى “قهوة الحارة”، وتتصاعد الأحداث بالصراع بين الخير والشر بشخصية شريف ابن العربجي (همام رضا) بكاركتر جديد ومفردات شعبية وأداء يدمج بين السخرية والجدية، ليعبّر عن حقده على رجال الحارة فيقوم بأعمال تزعزع أمنها بإحراق غرفة الحارس الخشبية، وقطع المياه عن الحارة، والاعتداء على العائلات الآمنة بالتلصّص من الأسطحة بتورية وبأسلوب غير مباشر وبإسقاطات واقعية عن أحداث التخريب التي مرّت بها سورية، ولم تقتصر الإيماءات على ومضات واخزة بين المشاهد وإنما تخلّلت كلمات أغنية الشارة بصوت معين شريف “إنت لي كنت تقول، أهل الوفا ماتوا، عم تبكي عل مقتول، قتلت الوفا بذاتو”.

في المقابل تقف شخصية جواد –هافال حمدي- بأدائه الجميل اللافت، الشاب الشريف الذي يعمل مع أبيه في خدمة الزعيم عزمي بيك وحارس منزله، ليمثل قطب الخير والحالة الإيجابية ويعمل على ملاحقة الحرامي.

ولم يخلُ “الكندوش” من حكاية عشق شائقة من الفتحة السماوية الصغيرة كما أطلقت عليها حبيبة جواد-إليانا سعد- وهي النافذة العلوية في أعلى الغرفة، والمثير طريقة إرسال الرسائل المتبادلة مع جواد من خلال العصا الطويلة والحبل الممتد.

حكايات “الكندوش” بين العشق والانتقام والخوف تمضي في سياقها وننتظر مفاجآتها.

ملده شويكاني