الأدباء الشباب يتشبثون بهويتهم الوطنية شعرياً
حلب- غالية خوجة
فجأة، تحركت آثار متحف حلب تجاه أصواتهم وخطواتهم وهم يدخلون مع أهاليهم ساحة المتحف المزينة بالأشجار والآثار العائدة لعصور تاريخية مختلفة وحضارات متنوعة، إذ استقبلنا المتحف بابتسامة جذابة بينما طلاب وطالبات المرحلتين الإعدادية والثانوية يستعدون لمسابقتهم الوطنية الشعرية الختامية لفرع اتحاد شبيبة الثورة بحلب، والتي ستؤهل كلاً من الفرق الفائزة من الطلاب والطالبات على مستوى حلب لمسابقة اتحاد شبيبة الثورة المركزية في دمشق. وما بين حديقة المتحف وقاعته الداخلية، احتدمت المنافسة بين الفرق الشبيبية، كما تبارز الطلاب على الصعيد الفردي، وبرزت مواهب الإلقاء الشعري، وتميّزت شخصيات الجيل الشاب بالطموح والإرادة والحلم والحكمة: الجميع قادم من النجاح للنجاح.
الوطن بين القصيدة والجلاء والانتماء
الجميل المحيّر أن المستويات متقاربة بين الجميع والفارق تراوح بين علامة وأكثر، وكان حزن البعض بعدم التأهل لهذه السنة يشعّ مصرّاً على الفوز في الدورة القادمة ومواصلة الانتماء والاستفادة من التجربة لاكتساب المزيد من الدقة اللغوية والنحوية وكيفية الإلقاء بإحساس أجمل للمعنى والموسيقا البحورية والدلالات التعبيرية بين الصور الشعرية وما يناسبها من ملامح صوتية ونفسية وحركية.
أوليس الهدف التوغل في روح البيت الشعري؟
التوغل أتقنته الغالبية المشاركة، إضافة إلى المواجهة الشيّقة ببيت شعري من الطرف الثاني متناغم مع بيت شعري من الطرف الأول، سواء كان البيت متحدياً، أو غزلياً، أو وطنياً، أو بيئياً، أو بديعياً.
هكذا، حضرت القصائد والمعلقات لتحتفل معنا بمناسبة عيدنا الوطني، عيد الجلاء، وهو يزهو بذاكرته النيسانية مع تفتحات الورود، وعطور الكلام، وما يخرج من نبتات صغيرات تتفتّح بين الشقوق الحجرية، خلف تماثيل مدخل المتحف، لتعلّمنا كيف تستمر الحياة وتتشبث الجذور بالأرض وترفع رؤوسها للشمس والهواء، بينما كان النشيد الوطني السوري: “حماة الديار عليكم سلام”، يتفتّح مع هويتنا وانتمائنا بين مبارزة ومبارزة.
آثار المتحف تحتفل معنا
ثم، وضمن استراحة معرفية استكشافية، رحلنا مع مقتنيات متحف حلب الوطني، وكان مدير المتحف أحمد عثمان يروي سيرة كل أثر من الآثار منذ ما قبل عصور التأريخ، وصولاً إلى الحضارة السورية وتشعباتها وأيقوناتها ومسكوكاتها النقدية وعلومها وفنونها المعمارية وميثيولوجيتها ورسالتها التي عرفت أول أبجدية في العالم، وكان الشباب والصبايا يحدقون في المعروضات الأثرية متأملين الأزمنة وحياتها وكيف عادت إلى النور الأجمل بعد الانتصار على الإرهاب والظلام.
وعندما بدأ القسم النهائي من المبارزة الشعرية الختامية، كانت آثار المتحف تمطّ رؤوسها خلسة لتتابعنا، فالشعر جذبها من سكونها لتحتفل معنا وتتأمل موروثنا الشعري، وتبصر نهضتنا الخضراء المنتصرة على كافة أشكال الجهنميات.
وكم أسعدني أنني شاركت في تحكيم هذه الدورة، ومنها هذه المسابقة الختامية لفرع حلب لاتحاد شبيبة الثورة، مع كل من الأديب جمال الطرابلسي رئيس جمعية أصدقاء اللغة العربية، والأديب محمد سمية مدير المركز الثقافي العربي بالصاخور، والشاعر محمد حجازي مدير دار الكتب الوطنية بحلب، والأستاذ أحمد العاصي مدرس مادة اللغة العربية الذي أكد على أهمية المسابقة وغناها وأهميتها لأسباب عديدة، منها توثيق ارتباط الشباب والشابات بلغتهم الأم والشعر العربي الأصيل إتقاناً ومخارج حروف وضبطاً سليماً ووزناً صحيحاً، إضافة للاستفادة من طاقتهم الحماسية وتحويلها إلى عمل مفيد ومنتج، ولاسيما أن هذه التجربة تشهد إقبالاً اتسم ببروز العنصر الأنثوي، وحضور الجو التنافسي الصاخب بمحبة للغتنا وشعرنا. وأضاف: أتمنى لو وجدنا رعاية أو مشاركة من وزارة التربية وهي صاحبة البيت الحقيقي لهكذا مسابقات، ولا تنقصها الخبرات والكوادر البشرية، خصوصاً وأن طلابنا هم من مدارسها، وأغلب القصائد التي يحفظونها من مناهج وزارتنا، إضافة إلى ضرورة تقديم الدعم والحوافز المعنوية والمادية لهذا الجيل الشاب.
تجربة ذات جاذبية ثقافية وطنية
وعن هذه المبارزة، أكد الرفيق عبد المنعم رياض المصطفى عضو قيادة فرع حلب للحزب- رئيس مكتب الشباب على ضرورة دعم الجيل الشاب، ولاسيما في هذه المسابقات التي تحتفي بلغتنا الأمّ لغة العروبة، ولا بد أن نتحاور مع الشباب لنبني سورية المستقبل، فكما قال الرئيس الأسد: “من يملك الشباب يملك المستقبل”.
ورأى الرفيق محمد نيال أمين فرع الشبيبة بحلب أن مسابقة “لسان الضاد” تهدف إلى تعزيز البحث وروح المنافسة بين الشباب، وتساهم في تعريفهم بالشعر وأهميته، مما يسهم في خلق جيل يؤكد ارتباطه باللغة العربية، ويحافظ على تراثه الأدبي والشعري، وهذه المسابقات تبرز المواهب الأدبية الشابة، وتعزّز روح التعاون كونها تعتمد على التنافس الجماعي.
بدوره، أخبرنا الرفيق المهندس محمد دحدوح عضو قيادة فرع الشبيبة بحلب- رئيس مكتب الإعداد وتنمية المهارات الشبابية أن المسابقات الشعرية تعبّر عن حالة فكرية ونوعية في هذا الزمن الرديء، سواء التي يحفظها الشباب أو يبتكرونها معبّرين عن انتمائهم لهذه الأمة. أمّا ما يختلف عمّا سبق من دورات فهو مرونة اللجنة ومساهمتها في تمكين الأدب في نفوس المشاركين الذين شعروا بأنهم يقدمون الجمال والحب والانتماء للوطن والأمة والفخر بصور أدبية خلاقة.
ولفتَ الرفيق أحمد بيره جكلي رئيس لجنة الإعداد وتنمية المهارات الشبيبية، عضو قيادة رابطة زكي الأرسوزي إلى أن هذه التجربة عكست عصب التطوير والتحديث، لأننا، خلال هذه الفترة، استطعنا الحصول على مراكز متقدمة بعد فترات تدريبية مكثفة ومبرمجة، فقد نلنا المركز الأول في مبارزات الإعدادي، والمركز الثاني، وبفارق ضئيل، في مبارزات الثانوي.
أمّا عن تجربتهم في هذه المبارزات الشعرية، فرأت الطالبة آية شحادة أنها تستفيد من تجاربها في المسابقة، فتتلافى أخطاءها لتصل إلى الدرجات الأعلى، بينما أخبرتنا سارة الشيخ سعيد بأن النجاح يحتاج إلى إرادة ومعرفة ومتابعة والتخلّص من الأخطاء، وأكد حسن كوكه على دور المسرح في تقوية أدائه للشعر كونه من شباب المسرح أيضاً.
أنشطة العزة والكرامة
وقريباً من مشهدنا الشعري، هناك، كانت تدور التنافسية الحوارية ضمن مسابقة “إعرف وطنك” المخصّصة لطلاب التعليم الأساسي، كما كانت تعزف الكشافة الأغاني الوطنية في حديقة حلب العامة، وترسم أبياتاً شعرية ورسومات معبّرة عن 17 نيسان، وبدورها، أقامت رابطة الشهيد عبد المنعم رياض ـ في مقرها ـ المسابقة الوطنية الفنية “مثل الشمس جبينك عالي”، للمواهب الفنية المختلفة بين الغناء والعزف والتمثيل والرقص الشعبي، بينما هنا، في وسط قاعة متحف حلب، كانت “ربة الينبوع” تسكب الماء العذب من جرتها، والألواح الطينية تحكي قصصها التي تتجسد بين النقوش المعتّقة ورائحة سوريتنا المزهرة بعيد الجلاء وبكلمات السيد الرئيس بشار الأسد.