لهاث النجومية
سلوى عباس
كانت المذيعة الفتية تختال بين الحضور، تحمل ميكروفونها بانطلاقة لافتة للنظر، حيث أوفدتها محطتها التلفزيونية لتغطية مهرجان مسرحي في إحدى المحافظات، وكان من بين الأعمال المشاركة عمل من تأليف الكاتب التركي عزيز نيسين، ويبدو أن مذيعتنا طُربت لهذا الاسم فرغبت أن تقدّم سبقاً صحفياً يجعل لرسالتها صداها المدوي لدى محطتها ولدى الجمهور الذي تتوجّه إليه، وسألت عن الأديب نيسين لتجري معه حواراً حول عمله المسرحي، وكان أن التقت بمخرج العمل ظناً منها أنه المؤلف، مما يؤكد ليس جهلها بأدب نيسين فقط، بل تجهل أنه رحل عن دنيانا ربما قبل أن تخلق هذه الصبية.
هذه الحادثة تحمل مؤشراً محزناً لاختراق مهنة الإعلام واستسهالها سعياً للنجومية والشهرة بعيداً عن الوقوف أمام معطيات هذه المهنة وما تتطلّبه من جهد يجعل لأصحابها بصمة حاضرة في العمل الذي يقومون به، مما يجعلنا نعيش فوضى إعلامية سببها الثقافة الاستهلاكية السائدة والأفق المحدود للبعض من الجيل الشاب الذي غالباً ينظر للأمور بسطحيتها وليس بجوهرها، وافتقادنا لثقافة الإخلاص لعملنا، حتى أصبح الإعلام منبراً سهلاً ومتاحاً لكل من يرغب بعيداً عن المعايير الحقيقية الناظمة لهذه المهنة التي تحمل من الغنى والثراء ما يفرض علينا أن نتعامل معها بحب وإتقان وإدراك لأهميتها، حتى نجني ثمارها نجاحاً مهنياً يرضينا ويحقّق تميزنا أمام جمهورنا الذي نتوجّه إليه بكل ما يحمله هذا النجاح من مصداقية وصدق.
وما يحصل في الإعلام يحصل في مجالات إبداعية أخرى، فحالة المذيعة هذه تمثل وجهاً آخر من الاستسهال والتطفل على الأدب عبر حالة دوّنها شاعر له حضوره في المجال الشعري والثقافي على صفحته الزرقاء وهي مساجلة جرت بينه وبين إحدى الدخيلات على الشعر التي احتجت على رفضه لنصها، الذي كما أوضحت له أنها شاركت به مع أشخاص لهم أهميتهم منهم المخرج والوزير والشاعر والدكتورة وسفيرة للسلام والمحبة وغيرهم وعرضت صورها معهم في الحفلة، فأجابها شاعرنا بكل تواضع واحترام أن نصها غير صالح للنشر لما يحتويه من أغلاط نحوية ولغوية وإملائية وعروضية ويفتقر إلى الشاعرية، وأن صورها جميلة وصالحة كذكريات، فظنّت أنه لم يفهم قصدها فلفتت نظره إلى الأشخاص الذين التقطت الصور معهم، فما كان منه إلا أن أسف على تطفلها هي وأمثالها على الشعر.
هاتان الحالتان تؤكدان على الهوة الكبيرة بين ثقافة اليوم وثقافة الأمس، سواء على الصعيد الإعلامي أو الثقافي أو الأدبي، وعلى كل الصعد، وربما نجد أنفسنا غير قادرين على التغيير كثيراً، لكننا إذا استطعنا أن نقنع من حولنا بأن يتقن كل شخص العمل المطلوب منه إنجازه بالتأكيد يخفّ ضغط الظروف التي تثقل علينا، وأن يقوم كل إنسان بواجبه لأن إحساسنا بالواجب ينبع من التربية الأخلاقية التي ينشئ الأهلُ أبناءهم عليها، وهذه التربية تنمي إحساسنا بمسؤولياتنا والتزامنا بواجباتنا، وضرورة أن نقف مع أنفسنا ونراجع أخطاءنا لنتجاوزها في كل خطوة من خطواتنا، فالمجتمع أطياف متعدّدة بالثقافة والرغبة والتوجه، وهذا ينطبق على أفراد الأسرة الواحدة، حيث يوجد فيها من يحب الرياضة، ومن يحب الغناء، ومن يحب السياسة، ومن يحب الدراما، لذلك يجب ألا نهمل واحداً على حساب الآخر، يجب أن نعطي اهتماماً للجميع، وأن نوسع الطيف.