د. فاسوس ليساريدس “صديق سورية”.. نضال دائم ودؤوب ضد الظلم
بقلم السفير السابق سليمان حداد
بمناسبة وفاة الدكتور فاسوس ليساريدس، رئيس الحزب الاشتراكي القبرصي، عضو الاشتراكية الدولية، رئيس البرلمان القبرصي الأسبق.
تعرّفت على الراحل في أواخر ستينات القرن الماضي، وكنت حينها أعمل في السفارة السورية في قبرص، زرته في مكتبه، وكان رئيساً للحزب الاشتراكي الديمقراطي القبرصي، وعضواً بارزاً في الاشتراكية الدولية، ورئيساً لكتلة برلمانية في البرلمان القبرصي، والطبيب الخاص للرئيس مكاريوس، وبدأ الحديث عن سورية وعن أهميتها في المنطقة، وعن مشكلة الشرق الأوسط وضرورة إيجاد حل لهذه المشكلة، مركّزاً على انسحاب “إسرائيل” من جميع الأراضي العربية المحتلة وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس وعودة جميع اللاجئين إلى ديارهم، موضّحاً دقائق الأمور، وشعرت بالفعل بأن اللغة والمنطق اللذان يتحدّث بهما يفوقان مصداقية الكثير من القادة العرب.
ولم يخطر ببالي أن هذا الإنسان سيصبح من أعز الأصدقاء لي، ولم يخطر ببالي هذا العمق من العلاقات التي بدأتها بهذه الزيارة، وتطوّرت هذه العلاقات ووجدت نفسي مع هذا الرجل في مركب واحد تقاذفتنا أمواج هائجة، وفي إحدى الأيام بعد الانقلاب ضد مكاريوس لجأ إلى منزلي، وخُطط من قبل الجهات المعادية لمكاريوس أن نقتل معاً في كمين نصب لنا بعد خروجنا من منزلي، وفُتحت النار على السيارة فقتل السائق وجرح الدكتور ليساريدس، ونجوت أنا من الحادث. وامتدت علاقتي معه حتى قبل مماته بأيام معدودة، وفي أيامه الأخيرة كان لا يستطيع الكلام كثيراً، غير أنه كان ينظر إلي بعينيه مبتسماً والدمعة تذرف، وكان قبل أيامه الأخيرة يحدّثني بمصداقية، وأشد ما يؤلمه الظروف التي تعيشها المنطقة والسيطرة الأمريكية، كان ميالاً لإيجاد حل للمشكلة القبرصية، يرفض ويعارض تقسيم قبرص، ويؤكّد أن سياسة أردوغان في المنطقة مرفوضة ومستنكرة.
كان عطاؤه تاريخياً مستمراً كل يوم، وعمل كل ما أملاه عليه إحساسه ووجهه ورؤياه، لكن مسيرة العمر والمبادئ التي يحملها أتعباه كثيراً، حيث وقف دوماً مناهضاً للظلم والشقاء، ولقد عانى هذا الراحل الكثير بسبب أفكاره السياسية والاجتماعية المنشودة، كانت حياته في حالة نضال دؤوب مستمر منذ تلك اللحظة المبكرة من حياته حتى ارتقاء روحه إلى الباري، كان صديقاً لسورية وتربطه علاقات متينة مع القائد المؤسس حافظ الأسد، وكان يزور سورية دوماً.
مهما كتبت عن هذا الإنسان فلا أفيه ما يستحق، حيث يأتي بالدرجة الأولى ممن أحبُّ واحترم، وأقول له اليوم نم قرير العين، وهناك دائماً من يحمل الراية كما تريد، وكما أني أدرك أن الحياة تأخذ منّا كل أحبائنا وكل آمالنا، لكن في الوقت نفسه، كمؤمن في هذه الدنيا وصديق للراحل الغالي، أشعر بالحزن العميق الدائم عليك، ويبدّد هذا شعوري الدائم أنك بيننا، بتاريخك الذي لا ينضب.
فيا أيها الراحل الحبيب، بعض الناس يموتون فيموتون، أما البعض الآخر أمثالك فيخلدون بسمعتهم وتاريخهم ووطنيتهم وسيرتهم الذاتية.