انعطافة ابن سلمان
تحليل إخباري
منذ مجيء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ارتفع منسوب التصريحات السعودية النارية ضد دول المنطقة. في ذاك الوقت تمّ تلميع صورة محمد ابن سلمان على أنه رجل المستقبل، وبالفعل قام بوضع رؤية للسعودية لعام 2030، والإعداد لرؤية 2040. كان من أبرز ما ميّز الرؤية الأولى هو ما صرح به ابن سلمان في مقابلة تلفزيونية عام 2017، عن العلاقة مع إيران، حيث قال: “لا توجد نقاط التقاء معها للحوار، لأن نظامها قائم على أيديولوجية متطرفة”، حسب تعبيره.
مع رحيل ترامب وقدوم جو بايدن، انقلب ابن سلمان على نفسه، وأكد خلال مقابلة بثتها وسائل الإعلام السعودية مؤخراً أن “المملكة تطمح إلى إقامة علاقة جيدة ومميزة مع إيران باعتبارها دولة جارة”، هذا التراجع كان محكوماً في البداية بزيادة هامش الاختلاف بين المملكة والولايات المتحدة تبعاً لتبدّل الإدارة، وهو ما أقرّه ابن سلمان في المقابلة.
ليست المشكلة في تغيير المواقف، ففي السياسة ليست هناك مبادئ بل مصالح، لكن في حالة ابن سلمان فإن انعطافته لافتة، لأنها تؤشّر بالدرجة الأولى إلى فشل سياسته السابقة تجاه إيران واليمن وسورية، وثانياً تشرح كيف يحرّك أذرعه الإلكترونية “الذباب الإلكتروني” للتلاعب بالرأي العام وجلب الانتباه إلى فكرة ما مُقابل تهميش أخرى قد تكون ذات أهمية.
فما الذي يبرّر تلك التصريحات، خاصة وأنها ليست الأولى، ففي الآونة الأخيرة خرجت من المملكة تصريحات مماثلة، وخاصةً من عادل الجبير وفيصل بن فرحان، وكأن الإيحاء يشي إلى أن كلفة السلام على المنطقة أقل بكثير من تكلفة الحرب.. وأن تسوية القضايا الخلافية ممكنة؟!. لاشك أن هناك عدة أسباب في ذلك، وبحسب مجلة “فورين بوليسي”، فإن أهم هذه الأسباب هو تزايد الدلائل على أن الولايات المتحدة جادة في تحويل تركيزها بعيداً عن الشرق الأوسط، أما السبب الثاني لهذا التغيّر المفاجئ، فهو أن هذا الحوار الإقليمي بدأ من قبل القوى الإقليمية نفسها. كما تقوده الدول الإقليمية نفسها، أي أنها لم تُفرض عليهم من قبل قوى كبرى من خارج المنطقة، ولا تقودها دول خارجية. أما العامل الثالث فهو بدء الولايات المتحدة الانفصال عسكرياً عن الشرق الأوسط وبدء سحب قواتها وخاصة من أفغانستان، وقطع المساعدات عن السعودية لحربها على اليمن، وإعادة الانضمام إلى الاتفاق النووي الإيراني، وهي قرارات تتناسب تماماً مع أجندة تقليص دور الولايات المتحدة في المنطقة.
في الأول من شباط هذا العام، نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية مقالاً كتبه حسين موسويان، وهو دبلوماسي إيراني سابق، وعبد العزيز بن صقر، الباحث السعودي، يؤكد أن “العلاقات بين السعودية وإيران تأرجحت في الأربعين عاماً الماضية بين المنافسة والتصادم، والتعاون أيضاً”. ويعتقدان أنه على الرغم من الخلافات بين البلدين في الكثير من القضايا، ليس هناك ما يحتّم أن تستمر العداوة بينهما.