مع إعلان بدء الانسحاب الأمريكي.. مستقبل غامض بانتظار أفغانستان!!
البعث ــ تقرير إخباري
بعد عشرين عاماً من إراقة الدماء، ومقتل أكثر من 2300 جندي أمريكي، وموت وإصابة مئات الآلاف من الشعب الأفغاني، ونفقات عسكرية أكبر من هائلة – حوالي 2 تريليون دولار إجمالاً – قرر الرئيس الأمريكي جو بايدن في منتصف نيسان إنهاء الحرب، وتعهد بإكمال انسحاب القوات في موعد مفعم بالمعنى بالنسبة للأمريكيين – الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول، التي أشعلت شرارة “الحرب على الإرهاب” التي أعلنها الرئيس السابق جورج دبليو بوش.
وقد وصل العدد الرسمي للقوات الأمريكية في أفغانستان إلى 2500، على الرغم من أن التقارير قدرت أن الرقم الفعلي كان لا يقل عن 3500 جندي. أما بالنسبة لحلف شمال الأطلسي الذي سينسحب أيضاً، فقد بلغ العدد الرسمي للجنود غير الأمريكيين سبعة آلاف.
الانسحاب وسط تصاعد التوترات
مع ذلك، قالت واشنطن إنها قد تزيد عدد القوات البرية في أفغانستان لتوفير الدعم الأمني واللوجستي أثناء الانسحاب، وتم نشر القاذفات لضمان “حماية” القوات الأمريكية وحلف شمال الأطلسي على الأرض.
وانتقدت طالبان مراراً وتكراراً الولايات المتحدة لانتهاكها شروط اتفاقية عدم الاعتداء التي تم التوصل إليها في شباط الماضي في الدوحة، والتي تطالب جميع القوات الأجنبية بمغادرة الأراضي الأفغانية بحلول الأول من أيار، وهو الموعد النهائي الذي فّوتته الولايات المتحدة. وقال ممثل طالبان في الآونة الأخيرة إن الحركة لن تشارك في عملية السلام حتى رحيل جميع القوات الأجنبية.
اشتعلت التوترات بالفعل بعد أن رفضت طالبان المشاركة في مؤتمر اسطنبول لسحب جميع القوات الأجنبية. ورداً على تحرك طالبان، قال الممثل الأمريكي الخاص زلماي خليل زاد إن طالبان ستواجه عقوبات وعزلة من واشنطن وحلفائها إذا حاولت عرقلة جهود التوصل إلى اتفاق سلام في أفغانستان.
في غضون ذلك، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأفغاني رحمة الله أندر إن الجيش الأفغاني لديه القدرة على محاربة طالبان دون مساعدة بعد انسحاب القوات الأجنبية بقيادة الولايات المتحدة، كما أظهر طوال العام الماضي.
هزيمة استراتيجية
عانت واشنطن من “الهزيمة استراتيجية” بعد أن استثمرت “عقدين من الدماء والأموال”، حسبما يقول راغاف شارما، الأستاذ المشارك ومدير مركز دراسات أفغانستان في جامعة أو. بي. جيندال العالمية؛ و”مع إعلان الولايات المتحدة عن جدول زمني ثابت لخفض عدد القوات بحلول 11 أيلول 2021، لن يكون لدى طالبان حافز كبير للدخول في أي مفاوضات جادة أو ذات مغزى مع حكومة يُنظر إليها على أنها ضعيفة عسكرياً وكذلك ضعيفة الشرعية السياسية”.
وبحسب شارما، فإن “الانقسامات في صفوف” النخبة السياسية في كابول جعلت الأمور أسوأ؛ بل و”على النقيض من ذلك، تمكنت طالبان ليس فقط من إظهار التماسك ولكن أيضاً في انتزاع عدد من التنازلات من الولايات المتحدة في الفترة التي سبقت اتفاقية السلام، مثل إطلاق سراح الآلاف من سجنائها، وكثير منهم عادوا إلى الخطوط الأمامية، في حين أنها لم تتنازل إلا عن القليل في المقابل”، وأشار إلى أن بايدن، بصفته نائب الرئيس خلال إدارة أوباما، لم يكن “مؤيداً قوياً” لزيادة القوات، وخروجه من أفغانستان كان متوقعاً، ولم يكن السؤال “إذا”، بل “متى” – وكيف سيحدث ذلك بالضبط.
وكما قال شارما، فقد “تلاشت الحرب الأفغانية إلى حد كبير من الذاكرة العامة الأمريكية، ويجد الكثيرون صعوبة في فهم سبب تورط أمريكا في الحرب الأفغانية التي تبدو بعيدة. وتحول اهتمام الولايات المتحدة إلى معالجة التهديدات الناشئة الأخرى لأمنها القومي مثل الصين على سبيل المثال”.
في غضون ذلك، يعتقد سردار نادر نعيم، رئيس مجلس إدارة معهد كابول للسلام، أن التوقعات قصيرة المدى لأفغانستان تعتمد إلى حد كبير على نتائج عملية السلام الأفغانية الحالية من خلال الوسائل السياسية. وقال إن “التوصل إلى توافق سياسي تجاه السلام وتقاسم السلطة بين الوسطاء الأفغان بما في ذلك الحكومة وطالبان وكذلك التوافق الإقليمي بين الدول المجاورة لتسوية سياسية في أفغانستان هي مكونات مهمة بنفس القدر لمستقبل أفغانستان”.
وأشار نعيم إلى أنه في حين أن طالبان قد ترى الانسحاب الأمريكي انتصاراً، فإن الولايات المتحدة ستعتبره مخرجاً استراتيجياً من “حرب لا نهاية لها”، وفقاً لكل من ترامب وبايدن.
ولدى سؤاله عن محاولات الولايات المتحدة تعزيز سمعتها محلياً وعالمياً في أعقاب الانسحاب، أجاب نعيم بأن اعتقاد واشنطن أنها بحاجة إلى التركيز على قضايا أخرى تتعلق بالمصالح القومية الأمريكية.
واختتم قائلاً: “تعتقد الولايات المتحدة أن أفغانستان لن تشكل تهديداً أمنياً للولايات المتحدة في المستقبل المنظور.. أعتقد أن سمعة القوى العظمى تعتمد على قدراتها في حماية مصالحها الوطنية في الداخل والخارج”.
بدأت الحرب الأمريكية في أفغانستان في تشرين الأول 2001، لتشكل أطول حرب لأمريكا في القرن الحادي والعشرين بعد أن امتدت لأربع إدارات رئاسية، في إطار عملية “الحرية الدائمة”. وقد واصل خليفة بوش، باراك أوباما، تكتيك سلفه، مع عديد من القوات الأمريكية تصاعد، في العام 2010، مع احتدام الاضطرابات إلى 100 ألف جندي.
بعد مقتل أسامة بن لادن، مؤسس القاعدة، عام 2011، أعلن أوباما بدء خفض عدد القوات، الأمر الذي فشل في حشد الزخم. أمر خليفة أوباما، دونالد ترامب، أيضاً بسحب آلاف الجنود من أفغانستان، بل وغرد أنه يريد سحب جميع القوات بحلول عيد الميلاد 2020 – لكن هذا أيضاً لم يتحقق. الآن، كل الأنظار معلقة على بايدن.