الناتو الآسيوي
حسن حميد
عاتبني صديق أعرفه جيداً، أنني أقسو في كلامي على الغرب، وأنّه ليس كذلك، فالصورة الواحدية تؤدي إلى معطيات واحدية أيضاً، فالغرب هو الذي اخترع وطوّر العلوم والتكنولوجيا، وأنّنا ندين للغرب بكل مظاهر المدنية التي نعرفها اليوم، ويطلب مني الكف عن مثل هذه النظرة الواحدية للغرب لأنّها لا تستطيع وحدها توصيف الغرب أو تعريفه، ويقول أيضاً فكرةً مهمة خلاصتها إنّ الغرب كان متوحّشاً في الأزمنة الماضية، ولا يحترم الشعوب والأمم الأخرى، فغزا، وقتل، وجرح، ودمّر حتى بات القديم الشنيع مرتبطاً به، ويقول صديقي لي: وأنا لا أنكر أنّ الغرب توارى وراء مقولات معسولة، وفعل الفظائع فوق أراضي الآخرين، وهذا حدث في العصور الحديثة أي بعد تطوّر العلوم، والمدنية، والتكنولوجيا، ولكن علينا أن ننظر إلى الغرب بعينين، وليس بعين واحدة. وأقول: الحق، أنّنا، ومنذ أزمنة بعيدة، ننظر إلى صورة الغرب البادية أمامنا، منذ حقبة الاستعمار العثماني وحتى يومنا الراهن، فلا نجد سوى صورته الدموية الباطشة المتغوّلة في احتقار الآخرين، والاعتداء عليهم، والفتك بهم، وعدم احترام الأمم والشعوب حتى بعد أن صارت دولاً ذات سيادة، وحتى بعد أن صارت شريكاً للغرب في المنظمات والهيئات الدولية.
للغرب مرتكزات، ومنها مرتكز الهيمنة، وهي ذهنية لم يتخل الغرب عنها وهو يكتشف أمريكا عام 1492 فقتل الملايين من شعوب أمريكا الجنوبية، ونهب الثروات، ولم يكلّف (خاطره) باعتذار، حتى لو كان اعتذاراً من التاريخ، أو الأجداد الموتى، أو الأحفاد الأحياء.
والغرب هو صاحب اختراعات عجيبة تستند إلى قوّته وذهنيته الدموية معاً، ومنها استعمار الآخرين، كدت أقول استدمار الآخرين، أو تخفيف حمولة الكلمة، لتصير الانتداب، وبسبب هذا الاختراع العجيب ربخ على صدور الشعوب والأمم مئات السنين، وهو لم ير صورته الدموية يوماً في المرآة لأنه لا يريد مواجهة مرآة الشعوب والأمم التي دمّرها، هو لا يواجه سوى مراياه الخاصة..
والغرب هو الذي اخترع ثقافة إخافة الأنظمة الحاكمة في جميع أنحاء العالم، كيلا تعرف البلدان طعوم الاستقرار والتطوّر، وكي تظل شعوبها تحلم بالحداثة، والقيم السامية، وخفق راية الحرية فوق أراضيها وفي فضاءاتها، والغرب هو الذي نادى بأنّ التبعية له، في كلّ شيء، هي بوابة نجاة الشعوب والبلدان من غضبه المحتوم، وهذه الذهنية شائعة حتى داخل فضاءات الغرب نفسها، وهو الذي نادى بأنّ رأس العالم واحد، هو القطبية الغربية فقط، فهو الذي يفكّر، ويوجّه، ويوصّف، ويمنح الرتب والثناءات.
وأقول لصديقي، لندع حقبة 500 سنة فارطة جانباً، بكل ما فيها من آلام، وغصّات، وفقد، وتدمير، وإيقاف للنمو والتطوّر، وظلموت عبوس جهوم، وننظر الآن في مرآة الغرب، ننظر في تفكيره وممارساته، فماذا نجد؟! سوف نجد جميعاً الأهوال والعجائب والشناءات التي لاتليق بالإنسان، ولا بالقيم والحقوق، ولا بالقراءات والكتب والفنون. الغرب اليوم، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها، يريد إنشاء (الناتو الآسيوي) وتعميم (الخير) الذي جاء به (الناتو الأطلسي– الأمريكي– الأوروبي) ويعمل ليل نهار لإقناع البلدان الآسيوية بقبول هذه الفكرة والترويج لها لدى البلدان الأخرى! فماذا يعني هذا؟! إنه يعني أمراً واحداً، وذهنية واحدة، وتوجهاً واحداً، هو أنّ الغرب ماضٍ في سياسة الاستحواذ على مقدرات الشعوب وإلحاقها لتكون تابعة له عبر سياسة الأحلاف، أليس الغرب هو صاحب مشروع حلف بغداد، والشرق الأوسط الواحد شعوباً وجغرافية وسلاماً، كي تصير للكيانية الصهيونية جغرافية تنال فوقها سلاماً ورضاً من محيطها!.
مشروع (الناتو الآسيوي) مشروع استعماري لذهنية غربية لم تتخل عن وحشيتها ودمويتها يوماً، ولهذا تقول قصص الأطفال: سلام الثعالب مع الدجاج ليس سلاماً!.
Hasanhamid55@yahoo.com