المجاملة والتمني لا تخفض الأسعار.. والاحتكار وسوء الإدارة يقوضان تحسن سعر الصرف
دمشق- فاتن شنان
يتصدّر التركيز على ضبط حركة الأسواق وأسعارها أولويات الحكومة والمواطنين على حدّ سواء، ولاسيما بعد التدخلات المثمرة في ضبط سعر الصرف بالعديد من القرارات والتوجهات الحكومية، ولكن من الواضح أيضاً أن الأسعار مازالت تتمسّك بعتباتها السعرية العالية المسجلة مؤخراً، ماعدا بعض السلع –جزء من السلع الاستهلاكية– والتي طالتها تخفيضات خجولة مقارنة بما أحرزته الليرة من تحسن، ما يشي بحلقة مفرغة تتحكّم بها عدة أسباب تبدأ بسيطرة التجار على الأسواق، مروراً بضعف الجهات الرقابية، ليكون المواطن هو الحلقة الأضعف!.
سوء الإدارة
ثمّة فجوة واسعة ما بين الاحتياجات المعيشية للمواطن ودخله الشهري من جهة، وبين الظروف الاقتصادية الراهنة ومحدودية الموارد أو تعطلها من جهة أخرى، وعلى الرغم من سعي الحكومة لتضييق الفجوة من خلال الدعم الحكومي وبعض القرارات القادرة على معالجة مواضع الخلل ولو جزئياً، لايتعدى ما يحصل على الأرض بحسب الدكتور عابد فضلية عكس ما يخطّط له، فالدعم الحكومي والتكلفة المدفوعة لا تصل إلى المكان المناسب والشرائح المستهدفة نتيجة الفساد وسوء الإدارة -بقصد أو دونه- والذي يعتبر أشد أنواع الفساد، لذلك من الضروري اتخاذ خطوات جريئة وحراك رسمي رقابي، بحيث تضمن توجهات الحكومة ومنها توصيل الدعم إلى مساراته المرسومة له لتتمكّن من بلوغ هدفه بتقليص تلك الفجوة.
احتكار القلة..
على الرغم من توجيه الاتهامات إلى القطاع الخاص بفوضى الأسعار وجنونها، إلا أن فضلية أوضح أن الإشكالية لا تكمن في القطاع الخاص، لأن السوق مزيج من قطاعي العام والخاص، ومن مصالح الأخير رفع قيمة المبيعات وجني الأرباح، إلا أنه من الضروري التمييز بين الأرباح الاستغلالية أو الأرباح العالية والتي تواكب أي تغيّر في سعر الصرف صعوداً، وغياب دور الجهات الرقابية يفسح المجال أمام قفزات سريعة غير منطقية، لذا من الضروري أن تكون المحاسبة من أعلى المستويات الرقابية وفرض أشد العقوبات بحق أصحابها، كما أن هناك أرباحاً معقولة ومتوازنة مع حركة السوق، وتشمل هذه الشريحة أنواعاً واسعة من المواد الاستهلاكية، ولكن ضعف القدرة الشرائية يبقيها خارج قدرة المواطنين وغير متناسبة مع دخولهم الشهرية، وفي هذا المسار تكون المعالجة عبر آليات دقيقة تستهدف دعم القدرة الشرائية وتمكينها تجنباً لارتفاع الأسعار، أما مسألة السعر المرهونة بحسب أدبيات الاقتصاد بتكافؤ العرض والطلب الذي يخلق التوازن، فيبدو أن الإشكالية تكمن -بحسب فضلية- في خضوع بعض المستوردات المهمّة جداً في أسواقنا لاحتكار القلة الذي يفرض أسعاره وغياب التنافس في مجالها، وهو أمر تشهده السوق السورية منذ فترة ما قبل الحرب، وبالتالي فإن الأسعار تفرض من أصحاب الامتيازات وتبقى خارج دائرة المنافسة لتتبع رغبات المستورد.
تثبيت الأسعار
عجز الجهات الرقابية عن ضبط الأسواق دعاها إلى مسار المجاملة والدعوات بالتخفيض بما يشبه الرجاء والتمني، وغاب عنها أن الأسواق لا تؤمن بالمجاملة، ولاسيما أن أسواقنا قائمة على مبدأ تأمين السلع في ظل ظروف الحصار الاقتصادي الراهن، لذلك من الأجدى قيام الجهات العامة بالاستيراد من خلال بعض القنوات المفتوحة لكسر احتكار الاستيراد، وإلغاء حالات احتكار المادة والسعر بمسارات تدخل إيجابي، بالتوازي مع العمل على مسار رفع القدرة الشرائية، فضعفها أساس المشكلة، وبالتالي مهما انخفضت الأسعار لن تلامس قدرة المواطنين الشرائية، إذ أن التضخم 60% منه مبرر بأسباب اقتصادية -حسب فضلية– وتبقى الـ40% تتعلق بتذبذب سعر الصرف وارتفاع الأسعار، وهي النسبة التي تستلزم المعالجة عبر تصحيح الرواتب الشهرية والتعويضات بزيادات متتالية كخطوة ثانية بعد تثبيت الأسعار لتلافي امتصاصها من قبل التجار وتكون سبباً لارتفاعات جديدة كما يحدث عادةً، بحسب رأي الاقتصادي عمار يوسف، وبالتالي تصبّ نتائجها في تحسين مستوى المعيشة لدى المواطنين، والتشدّد بتطبيق قانون حماية المستهلك عبر نشر فرق من مراقبي التموين والجمارك والمالية وعدم التهاون بتنفيذ بنوده.