محمد المصري: الدراما السورية تعاني من هجرة الأدمغة
هو أحد الجنود المجهولين الذين يعملون في كواليس الأعمال الدرامية، ولا يمكن أن يكتمل أي عمل درامي دون عمله في هندسة الصوت.. في رصيده ضمن مسيرته الفنية الحافلة أكثر من أربعين مسلسلاً وأكثر من عشرة أفلام سينمائية وعدد من الإعلانات والبرامج، ويتفق الجميع على أنه شخص محبوب من قبل الكل، وهذا ما أكد عليه محمد المصري في حواره مع “البعث” مشيراً إلى أن مهندس الصوت يجب أن يكون شخصاً محبوباً من الجميع، وخصوصاً من قبل الممثلين لتعامله المباشر معهم، وهذا الأمر برأيه يجعل ملاحظاته مسموعة من قبلهم، ودون ذلك فإنه سيتعرض للكثير من المضايقات والمشاكل التي ستؤثر سلباً على عمله.
أحدث الأجهزة
ويبيّن المصري أنه مر خلال مسيرته الفنية بعدة مراحل، حيث بدأ العمل على كاميرات السوني ٢٥٠ التي كانت تسجل الصوت والصورة على الكاميرا، وصولاً إلى يومنا هذا الذي يتم العمل فيه على أحدث الميكسرات التي يسجل الصوت عليها بعيداً عن الكاميرا، أي أنه عاصر أكثر من ١٦ جيلاً من الأجهزة والكاميرات والميكسرات، وهو اليوم وعلى الرغم من كل التطورات التقنية الحالية إلا أنه يرى أن العمل أصبح أصعب من الأمس وأكثر مسؤولية، وإن كان أكثر متعة ويحقق نتائج أفضل، مشيراً إلى أنه راضٍ عن مسيرته، وسيظل يواظب على مواكبة التطور الحاصل في هذه المهنة التي تلبي رغبته الفنية والحياتية، وقد كان من الأوائل بمجاراة التطور الحاصل على أدوات هذه المهنة، ولديه اليوم أحدث الأجهزة الموجودة على مستوى العالم، وهو يرفض العمل بمعدات لا تليق باسمه وباسم الدراما السورية، وفي حال كانت الشركة التي يعمل معها لا تملك أجهزة جديدة يقوم باستعمال معداته الشخصية في غالبية الأحيان حتى لو لم يتقاضَ أجرتها حفاظاً على اسمه وعلى ألق الدراما السورية.
المسؤول الأول والأخير
ويبيّن محمد المصري أن مهندس الصوت هو المسؤول الأول والأخير عن تسجيل الصوت الحيّ أثناء التصوير، ويجب أن يكون على دراية كاملة بالنص وبالأحداث والتسلسل الزمني وطبيعة كل مشهد، منوهاً إلى أن طبيعة عمل مهندس الصوت تختلف بين السينما والتلفزيون، ويكمن الاختلاف في الدقة والتركيز على الراكور الصوتي والجو العام للمشهد، بالإضافة إلى التركيز على القريب والبعيد أكثر في السينما التي تعتمد على التفاصيل الصغيرة والكبيرة أكثر من الدراما التلفزيونية لوضع المُشاهد في الصورة الواقعية للمشهد كون العمل السينمائي سيُعرَض في صالة السينما، وبالتالي يجب أن تكون النتيجة أنقى لأن أجهزة الصوت في الصالات تكون أكثر دقة، وصوتها مرتفع، ولا يخفي المصري أن التحديات التي تواجه عمل مهندس الصوت سواء في التلفزيون أو السينما كثيرة، ويأتي في مقدمتها تسجيل الصوت في محيط مزعج لا يتناسب مع جو العمل، وهنا يجب أن يكون لدى مهندس الصوت أجهزة تمكّنه من فلترة الصوت دون أن يؤثر ذلك على صوت الممثل أو على الجو العام للمشهد، وكذلك المحافظة على راكور الصوت في موقع التصوير الذي قد تطرأ عليه في بعض الأحيان بعض التغييرات، وكذلك الانتباه إلى صوت الممثل إذا كان مريضاً أو عندما يقوم بتغيير صوته عن الكركتر المعيّن الذي يؤديه، وهنا من مهمة المصري تذكيره بالصوت الذي سبق وأن اعتمده.
ويؤكد المصري أن مهندس الصوت يجب أن يتمتع بروح فنية ودراية كاملة بكافة المجالات من إخراج وتصوير وإضاءة وملابس وديكور، فلكل هذه المهن ارتباطات مباشرة بالصوت، وإخراجياً يجب أن يعرف كيف سيكون المشهد وما هي تقطيعاته وروحه، حتى يتمكن من تحديد قوة الصوت، كما يجب أن يعرف جهة الإضاءة وآليتها ليحدد زاويته التي سيضع فيها مايكروفون لاقط الصوت حتى لا يكون لمساعده أثناء حمله خيالاً منعكساً في الكادر، كما يجب أن يكون منتبهاً لمكان وضع مكرفونات الممثلين كي لا تكون ظاهرة من زاوية الكاميرا، وكذلك لطبيعة الملابس التي يرتدونها والتي يسبب بعضها مشاكل صوتية أثناء الاحتكاك، ولكل ما تم ذكره يؤكد المصري على ضرورة تمتع مهندس الصوت بحس وتركيز عالٍ، ويؤسفه عدم وجود اختصاص هندسة الصوت في معاهدنا وجامعاتنا، وافتقارنا للأكاديميين، منوهاً إلى أن غالبية العاملين في هذا المجال تعلموا المهنة بشكل غير أكاديمي وأصبحوا مهندسي صوت من خلال العمل والخبرة، وهم قلائل ولا يتجاوز عددهم أصابع اليدين، وهذا ما يشكل ضغطاً كبيراً عليهم، ونتيجة ذلك تضطر بعض الشركات لتشغيل أسماء ليس لها علاقة بالمهنة بسبب قلة عدد الموجودين، وهذا ما يجعلهم عرضة لمشاكل كبيرة عند العمليات الفنية بعد التصوير.
علاقة وطيدة مع المخرج
يشير محمد المصري إلى أهمية وجود علاقة وطيدة بين مهندس الصوت والمخرج، حيث يجب أن تكون هناك جلستان أو ثلاث جلسات مع المخرج قبل البدء بالتصوير كي يعرف وجهة نظره وآليته في العمل، والأهم برأيه أن يقرأ مهندس الصوت النص قبل التصوير كي يرسم خطة تقديرية للعمل وطبيعة المعدات التي ستلزمه، موضحاً وهو الذي تعامل مع ٩٩% من المخرجين أن لكل مخرج صفاته التي تميزه، إلا أن ما يجمعهم هو إعطاء المساحة الأكبر للصورة أكثر من الصوت، مع أنه يرى أن الصوت لا يقل أهمية عن الصورة، لذلك يصر دائماً على إعطاء الصوت حقه مع أي مخرج يعمل معه من خلال فرض قراراته وشروطه بهدف تحقيق أفضل النتائج، مع أن بعض المخرجين برأيه يتعاملون مع هذه المهنة كأي مهنة عابرة موجودة في موقع التصوير مما يؤثر سلباً على النتيجة النهائية للعمل.
هجرة الأدمغة
ولا يتردد محمد المصري بالقول إن درامانا اليوم تعاني من هجرة الأدمغة، فالكثير من الفنيين المتميزين ذهبوا ليعملوا في بلدان أخرى سعياً وراء الأجر الأفضل لأن بعض الشركات هنا لا تدفع أجوراً كان الفنيون يتقاضونها قبل سنوات، وهذا أثّر على واقع الدراما السورية، إلى جانب ما تتناوله من موضوعات مغايرة عما كانت تتناوله قبل سنوات، داعياً كتّابنا إلى أن يخرجوا من إطار الحرب في الكتابة لأن درامانا عربية وليست موجهه إلى الشارع السوري وحسب، منوهاً كذلك إلى أهمية تقديم دراما متميزة فنياً وبعيدة عن الربح والتجارة لتعود إلى ما كانت عليه من تألق.
ويختتم المصري حواره بالإشارة إلى أن فنيي الدراما السورية متعبون بسبب الحرب على بلدهم، وهم يعملون اليوم ليعيشوا بعد أن نسي المنتج أن عملهم موسمي وأن الفني لا يمكنه أن يعمل في أكثر من عمل مثل الممثلين، لذلك يجب أن يتناسب أجره مع معيشته السنوية وليس اليومية، والفني اليوم بعد أن ساء أجره لا يطلب الكثير بل يطلب الأجر الذي كان يتقاضاه قبل سنوات دون زيادة، لذلك وبصفته رئيساً لجمعية فنيي الدراما السورية فإنه يرى أن الفنيين السوريين يستحقون أن يأخذوا الأجور الجيدة لأنهم يخسرون حياتهم الشخصية والاجتماعية نظراً لطول ساعات عملهم، متمنياً أن نرتقي بالدراما السورية لتعود إلى الصدارة لأننا لم ولن نتعود على أن يكون هناك أفضل منها وهي التي تأخذ من أرواحنا قطعة مع كل عمل يبصر النور.
أمينة عباس