الانتخابات الرئاسيّة و”مأزق” الآخرين
أحمد حسن
مع إعلان المحكمة الدستورية العليا عن أسماء المرشحين الرسمييّن للانتخابات الرئاسيّة السورية وفق القوانين والأنظمة النافذة، فإنها تعلن في الآن ذاته عن بدء المرحلة النهائية من مراحل الاستحقاق الانتخابي قوامها الأساس انطلاق المنافسة بين الأشخاص، والبرامج، في سباق، وسياق، وطني تكتمل صورته النهائية في صناديق الانتخاب يوم السادس والعشرين من هذا الشهر.
والحال فإن هذه الخطوات الثابتة والدستورية، أنتجت، كما هو متوقع، تأثيرين متعاكسين في الداخل والخارج، ففيما أكدت النتائج على حقيقة اتساع الحالة الوطنية الداخلية وترسّخ حقيقة التعددية الحزبية- وهذا ما تكشفه أسماء المرشحين وخلفياتهم الحزبية المختلفة، وأحدهم معارض معروف- وبالتالي عكست اطمئناناً داخلياً واضحاً لمسار دولة تحترم دستورها رغم ما حلّ، ويحلّ، بها من محن جسام، إلا أنها انعكست، كما هو متوقع أيضاً، ارتباكاً خارجياً في المعسكر المواجه لسورية، دولة وشعباً.
فقبل أيام قليلة، وفي تزامن بالغ الدلالة، بعد أن اتضح “ثبات” الانتخابات على سكتها الدستورية، أقرّ المبعوث الخاص للأمم المتحدة، غير بيدرسن، بمأزق جهوده في سورية، مطالباً بشكل جديد لوساطته، حتى يكتب لها، وله، النجاح في مهمته السوريّة المظهر الدوليّة المضمون والهدف. بيدرسن، وبعد أن أشار ضمناً إلى بعض الأمور التي أوصلته إلى “المأزق”، اقترح ما سماه “شكلاً دولياً جديداً يمكن أن يجلب كل أصحاب المصلحة الذين يمكنهم وضع شيء ما على الطاولة”.
في المبدأ هذا كلام جميل لكن الرجل وهو يتحدّث عن “المأزق” ويدعو إلى “تجنّب وتخفيف أي آثار لتدابير العقوبات على قدرة السوريين على وصول الغذاء واللوازم الصحية الأساسية والدعم الطبي لفيروس (كوفيد 19)” تجاهل أن يسمي الجهات المسؤولة عنهما معاً، وبالتالي التي “يمكنها وضع شيء ما على الطاولة”، وهو “شيء” لا يمكن أن يكون أقل من إعلان واضح ونهائي لتراجعها عن جميع سياساتها السابقة – وليس فقط في قضية الغذاء والدواء على أهميتهما- التي أوصلت بيدرسن، ومن سبقه في منصبه، إلى هذا المأزق.
بيد أن التزامن بين طرح بيدرسن وحقيقة “ثبات” الانتخابات الرئاسيّة، يطرح أسئلة عدة على المراقبين، أولها، وأخطرها، يتعلّق بالتوقيت، فهل الاعتراف بالمأزق الذي وصلت إليه جهوده الآن يعني أنها كانت منصبّة لمنع هذه اللحظة الدستورية من التحقّق؟!، وهل تعني مطالبته بشكل جديد لوساطته اعتراف فعلي بالفشل في المرحلة السابقة والبحث عن مقاربة جديدة، وإطار جديد أكثر واقعيّة للحل؟!، يحرّر بعض رهائن الوهم من أوهامهم القاتلة، أم أنه مجرد “تغطية”، ربما غير مقصودة، لصورة أخرى من الصراع المستمر بعد فشل الصورة السابقة؟.
والأمر فإن الأسئلة السابقة تستمد مشروعيتها من وقائع السنوات الماضية التي تزامن فيها تغيّر صور الاستهداف الخارجي لسورية بالتوازي مع نجاحاتها في التصدي للصور السابقة وإصرارها على تنفيذ أجندتها الوطنية الداخلية سواء التي يفرضها “الكتاب” الدستوري الأسمى أو ما يندرج تحته من سبل قانونية وميدانية شرعية لضمان سلامة الوطن وسيادته.
وبالطبع نحن في سورية نريد أن يكون إقرار بيدرسون بالمأزق وبحثه عن شكل جديد للوساطة، هو اعتراف بضرورة البحث عن مقاربة جديدة وواقعيّة للحل تستند على الوقائع والحقائق التي أفرزتها السنوات الماضية وعلى رأسها سقوط وهم إسقاط سورية وانكشاف خطورة ذلك وتبعاته المدمّرة على الجوار الجغرافي والسياسي القريب والبعيد.
بيد أننا ونحن ننتظر ذلك، نعلم علم اليقين، وكما أكّدت التجارب السابقة، أنه لا أمل إلا بالسوريين أنفسهم، لذلك مهما كانت النيات السابقة والغايات اللاحقة لأي تصريح أو فعل خارجي، فإن سورية ماضية في صمودها، وفعلها، من أجل الحياة، سواء في تنفيذ استحقاقاتها الدستورية بمواعيدها وإجراءاتها المقرّة بإرادة شعبها، أو في منح فرصة جديدة لمن انحرف من أبنائها عن الطريق السوي وتلك هي غاية وهدف قانون العفو الأخير.