معزوفة الدعم
من المستغرب أن نكرر “معزوفة” دعم الزراعة في الوقت الذي نستورد فيه الكثير من منتجاتها ومستلزماتها. وإذا دققنا بالتفاصيل سنكتشف أننا أمام واقع مرعب ومريع!.
لقد نفت وزارة الزراعة سريعاً “إشاعة” استيراد مادتي الفروج واللحوم المبردة مع أننا سبق وسمحنا باستيرادها سابقاً. والمسألة لا تتعلق بالسماح أو الرفض وإنما بالإجابة على السؤال: لماذا سنستورد أساساً الفروج واللحوم؟.
الجواب طبعاً: المستورد أرخص من المنتج المحلي!.
والسؤال هنا: ولماذا أسعار الفروج واللحوم المستوردة أرخص ما دمنا ندعم القطاع الزراعي؟.
إما أن التجار يستوردون مواد بمواصفات رديئة، أو أن الفروج واللحوم المبردة من البلدان المصدرة هي فعلاً أرخص على الرغم من تكاليف نقلها والرسوم المفروضة عليها!.
وإذا دققنا بالأمر نكتشف بسهولة أن ارتفاع تكاليف مستلزمات الثروة الحيوانية وخاصة الفروج مرتفعة جداً.. جداً!. ولأنها مرتفعة وأسعارها إلى صعود من شهر إلى آخر، فمن الطبيعي أن نشهد ارتفاعاً جنونياً بل مرعباً ومريعاً بأسعار الفروج واللحوم مقارنة بدخل ملايين الأسر السورية!.
لو كانت الجهات المعنية بالزراعة مهتمة فعلاً بالإنتاج لما سمحت بارتفاع أسعار الفروج أكثر من خمسة أضعاف، واللحوم بأكثر من أربعة أضعاف خلال أقل من عام!. ومع هذا الارتفاع توقعنا أن تدعو جهات عدة لاستيراد مادتي الفروج واللحوم المبردة. ومن يتحمّل وزر هذه الدعوات الجهات المعنية مباشرة أو مداورة بدعم القطاع الزراعي!.
لنأخذ الأعلاف أحد المستلزمات الأساسية للثروة الحيوانية، أي الفروج والأغنام والعجول.. هل هي متوفرة بأسعار مدعومة للمربين؟.
والسؤال الأهم: لماذا نستورد الأعلاف ولا ننتجها؟.
بل لماذا لا نصدّر الأعلاف مادمنا بلداً زراعياً بامتياز؟.
أليس ملفتاً أن تعلن وزارة الزراعة “أن كميات المواد والإضافات العلفية المستوردة الداخلة فعلياً إلى القطر خلال 2020 بلغت 841318 طناً منها 649586 طن ذرة صفراء علفية و176442 طن كسبة فول صويا، و15290 طن مواد ومتممات علفية أخرى”؟!.
لا ندري أسباب عدم لحظ إنتاج احتياجات ثروتنا الحيوانية في خطط وزارة الزراعة، بدلاً من استيرادها بالدولار، بل لماذا لا نكون من مصدريها لا مستورديها؟.. هل يتوقع أحد أن “لا تجنّ” أسعار الفروج بشكل مرعب ومريع مع تجاوز سعر طن العلف المليون ليرة؟.
نعم.. من المعيب أن تضطر الأسرة في بلد زراعي ويدعم الزراعة إلى شراء الفروج بالقطعة أو بيضة واحدة أو اثنتين على الأكثر بدلاً من “الصحن” كما كانت تفعل حتى عام 2019؟.
أما بالنسبة إلى اللحوم الحمراء فقد اختفت نهائياً من موائد ملايين السوريين حتى في المناسبات الخاصة والأعياد!!.
إن ما كشفته وزارة الزراعة مؤخراً بأن الثروة الحيوانية انخفضت بنسبة 60% وبخروج 50% من المداجن من الخدمة، صادم فعلاً بل هو مرعب.. ومريع، كما أن ارتفاع أسعار المحروقات وعدم تأمينها بكميات كافية ومدعومة للقطاع الزراعي لم يتسبّب برفع أسعار الفروج واللحوم فقط، وإنما يهدّد محصولنا الإستراتيجي أيضاً أي القمح.
بالمختصر المفيد: متى ستبدأ الجهات المسؤولة بدعم القطاع الزراعي لإنتاج احتياجاتنا بأسعار في متناول ملايين الأسر السورية بالأفعال وليس بالأقوال؟!.
علي عبود