مقاربة الرئيس الصيني للإنسان في قمة المناخ
الدراسات
لا شك أن دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن لاستضافة قمة المناخ في العاصمة واشنطن يحمل مغزى خاصاً، إذ يتزامن مع اليوم العالمي للأرض، كما أنها القمة الأولى من نوعها بعد عودة الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ، والتي كان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب قد انسحب منها.
من الطبيعي في مثل هذه القمم أن تشخص الأنظار باتجاه عمالقة الصناعة وما قد يقدمونه من رؤى للمستقبل، ومن الطبيعي أيضاً أن تتمّ مقارنة بين ما يقوله زعيما الصين والولايات المتحدة بحكم أنهما المتنافسان الأكبر على الأرض. وهنا كانت المفاجأة، حيث لم تخلُ كلمة الرئيس الأمريكي من مصطلحات سلفه ترامب المالية، وهو الذي كان مطلوباً منه خطاباً مختلفاً عن تلك اللهجة. في المقابل امتازت كلمة الرئيس الصيني شي جي بينغ بالأنسنة والتركيز على العنصر البشري وضرورة الحفاظ عليه وعلى البيئة معاً.
كانت مصطلحات بايدن غنية بالوعود، مبشراً بفرص اقتصادية “واعدة”، وقال في كلمة افتتاح القمة الخميس الفائت إنه يرى فرصاً اقتصادية هائلة في جهود مكافحة التغير المناخي من أجل بناء اقتصاد مزدهر ومستدام. وأشار إلى إمكانية خلق الملايين من الوظائف من خلال بناء تكنولوجيا نظيفة يمكن استخدامها “اليوم وغداً”. واقترح استثماراً ضخماً في البنية التحتية للاستفادة من فرص التغير المناخي، قائلاً إن عدم التصرف يكبر “ونحن لن ننتظر”. وتحدث كذلك عن إمكانية استفادة الاقتصاد بشكل كبير عبر السيارات الكهربائية ومحطات الشحن.
في المقابل دعا نظيره الصيني إلى الالتزام بمقاربة مركزها الإنسان، موضحاً أن البيئة تخصّ رفاهية شعوب العالم، وبالتالي يجب أخذ تطلعات شعوب العالم إلى حياة أفضل وبيئة متميزة، وأن المسؤولية المستقبلية يجب أن تكون تجاه الأجيال القادمة، وبالطبع مثل هذه الرؤية تحتاج إلى إيجاد سبل للقضاء على الفقر، وتحقيق العدالة والإنصاف الاجتماعيين، وزيادة إحساس كافة الشعوب بالكسب والسعادة والأمن في عملية التحول الأخضر.
لقد ارتكز خطاب الرئيس الصيني على الحضارة الصينية التي تؤمن بفلسفة التناغم والتعايش والتكامل بين الإنسان والطبيعة، حيث تمّ إدراج مفهوم الحضارة الإيكولوجية وبناء الحضارة الإيكولوجية في دستور جمهورية الصين الشعبية، وفي التخطيط الشامل المتمثل في “التكامل الخماسي” لبناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية التي تعتمد على تطبيق المفهوم الجديد للتنمية استرشاداً بفكر الحضارة الإيكولوجية، والتحول الأخضر على نحو شامل للنمو الاقتصادي والاجتماعي مع التركيز الخاص على تطوير الطاقة الخضراء.
كان خطاب بايدن مركزاً على الاقتصاد والاستثمار والمال، بينما ركز خطاب شي جي بينغ على الالتزام بتعددية الأطراف والعمل على أساس القانون الدولي والتمسك بمبدأ العدالة والإنصاف، وتعزيز علاقات الشراكة ورفع مستوى التعاون في إشارة واضحة للولايات المتحدة التي رحب بعودتها إلى العملية المتعددة الأطراف لحوكمة المناخ.