الشيطان يكمن في التفاصيل
سمر سامي السمارة
يرى محللون أنه حتى لو “انتصرت” الولايات المتحدة في حروبها التي لا نهاية لها، مثل حربها على أفغانستان التي استمرت لمدة 20 عاماً، فإن ذلك لن يجعلها تتراجع عن سياساتها. إذ يبدو أن استمرار هذه الحروب لا علاقة له بالمصلحة الوطنية للولايات المتحدة، بل إنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمرابح الكبيرة التي يجنيها المتنفذون وجماعات المصالح الخاصة من رجال أعمال وشركات تجارية تعمل في القطاعات الأمنية والعسكرية، وانتصار الولايات المتحدة بالفعل في الحرب، يعتبر أسوأ الأخبار بالنسبة للمجمع الصناعي العسكري.
خلافاً لما يحدث في الحروب القديمة، مثل الحرب العالمية الثانية، حيث تمّ استقبال عودة الجنود إلى بلدانهم بفرح كبير، لكن اليوم يسعى المجمع العسكري الصناعي، الذي يثري من بؤس الآخرين وتضحياتهم، إلى عدم إنهاء أي من عمليات الانتشار العسكرية العالمية لواشنطن. يقول جوج أورويل: “ليس الهدف من الحروب أن تحقق نصراً، بل أن تكون (تلك الحروب) مستمرة”. في الواقع، لا يصدق هذا القول على مكان كما يصدق على أولئك الذين تعتمد معيشتهم على الآلة العسكرية الأمريكية، التي تقصف باستمرار شعوباً خارج حدودها.
لذلك، من المؤكد أن الأمريكيين العاديين لن يقدموا أية إجابة عند سؤالهم، لماذا تقوم القوات الأمريكية بقصف أفغانستان منذ ما يزيد على 20 عاماً؟ فطالبان لم تهاجم الولايات المتحدة قط، وأسامة بن لادن، الذي وصف أفغانستان بأنها وطنه، مات منذ فترة طويلة وذهب من غير عودة، ومع ذلك استمرت الولايات المتحدة بأطول حرب في تاريخها. وهنا يأتي الجواب من المحافظين الجدد، مثل ماكس بوت، الذي يرى من خلال تفسيراته الواهية أن ما تقوم به الولايات المتحدة من قصف وقتل يساعد الفتيات الأفغانيات على الذهاب إلى المدرسة!.
يُظهر الواقع أن الحرب جعلت مصانع المتفجرات، ومراكز الأبحاث أكثر ثراءً، وبحسب دراسة أجراها مشروع “تكلفة الحرب” في جامعة براون الأمريكية، فقد أهدرت الولايات المتحدة 2.26 تريليون دولار على الحرب في أفغانستان، وبحسب المفتش العام للحكومة الأمريكية الخاص بإعادة إعمار أفغانستان، فقد أُنفق الجزء الأكبر من هذه الأموال، على تدريبات غير مجدية لـ “بناء دولة” لم تبن شيئاً على الإطلاق، ولكنها حوّلت المقاولين وجماعات الضغط إلى أثرياء.
ومع قدومه إلى البيت الأبيض، أعلن الرئيس بايدن أنه بحلول الذكرى العشرين لهجمات 11 أيلول، سيكون الجيش الأمريكي خارج أفغانستان. لكن كالعادة فالشيطان يكمن في التفاصيل، إذ ستبقى القوات الخاصة الأمريكية، والقوات شبه العسكرية التابعة لوكالة الاستخبارات المركزية، والمتعاقدون من القطاع الخاص، الذين لعبوا دوراً متزايداً في خوض حروب واشنطن، في أفغانستان.
لقد كانت الحرب على أفغانستان كارثة على الولايات المتحدة أيضاً، فقد أكدت دراسة مشروع “تكلفة الحرب” في جامعة براون الأمريكية أن الأرقام الرسمية التي نشرتها الحكومة الأمريكية لا تعكس الواقع إلى حد كبير، ولا تشمل تكاليف الإنفاق على العناية بالجرحى من العسكريين الأمريكيين، ولا الأموال التي أنفقتها وزارات الدولة الأمريكية الأخرى، والمتعلقة بالحرب في أفغانستان، ولا الفوائد التي تكبدتها الحكومة بسبب القروض التي أخذتها لسد نفقات الحرب.
والحقيقة أنه وأنفق الجزء الأكبر على احتياجات القوات الأمريكية من طعام ولباس وعناية طبية ورواتب ومخصصات، بحسب البيانات الجديدة، فالفاسدون فقط من استفادوا من هذه الحرب التي استمرت لسنوات.