هل يمنع المحور الـ “أورو آسيوي” أمريكا من السيطرة على قلب آسيا
د. رحيم هادي الشمخي
كاتب عراقي
سوف تبقى معاضل إيصال النفط الخام من منابعه في الشرق الأوسط إلى مختلف المناطق الصناعية في العالم المتقدم الشغل الشاغل للمخططين الاستراتيجيين وصناع القرار في العالم، وتستحوذ طرق ومسالك نقل النفط البحرية على الاهتمام الأكبر والأبرز لاسيما بعد التهديدات التي تتعرض لها المضائق والممرات المائية الدولية ذات الأهمية الإستراتيجية من أخطار مختلفة قد تؤدي إلى عرقلة انسيابية النفط إلى المراكز الصناعية في أوروبا غرباً واليابان والصين وكوريا الجنوبية شرقاً.
ولا يخفى على أحد أن التزود بالطاقة شديد الارتباط بالأمن القومي للدول كافة وبنموها وبقدراتها العسكرية، فلو توقف أو أعيق التزود بالنفط، لأي دولة من الدول اليوم لوقعت في وضع حرج وتعرضت للشلل والاختناق، ومن هنا فإن تأمين الطرق والمسالك والممرات والمضائق البحرية عاد ليفرض أهميته الإستراتيجية على القوى البحرية العالمية، حيث أن التجارة العالمية عبر البحار والطرق البحرية هي أيضاً هدف لنظام سيطرة تعمل تلك القوة البحرية على ترسيخه.
إن الأطماع الأمريكية الجيوسياسية تكشفه أكثر فأكثر التحركات والتطورات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج العربي منذ العام 1991، ومروراً بالعام 2003 احتلال العراق، وصولاً إلى ما يجري اليوم من تحركات عسكرية إزاء إيران وسورية، بالإضافة إلى منظومة الاتفاقيات الأمنية مع عدد من دول المنطقة (دول مجلس التعاون الخليجي) وزيادة حدة التسلح وتنوع التحالفات العسكرية، مستنداً إلى شبكة اتفاقيات عسكرية قائمة في المنطقة. كل ذلك يؤكد أن المستهدف من خلف ذلك كله عمالقة أوراسيا: روسيا والصين، وربما الهند. لذلك تقف الصين وروسيا، وإيران اليوم، على رأس محور أوروآسيوي في طور التشكل لمواجهة الولايات المتحدة والقوى المتحالفة معها لمنعها من الوصول والسيطرة على قلب آسيا.
تحاول الولايات المتحدة قطع جميع الطرق التي تزود التنين الصيني بالنفط من خلال التعاون النفطي عبر الآسيوي والتي تصل مباشرة إلى الصين من خارج الممرات البحرية التقليدية والمراقبة من جانب البحرية الأميركية، فكل الاتفاقات الآسيوية حول الطاقة، كأنبوب غاز إيران – باكستان – الهند، تعتبر متعارضة مع المصالح الأنكلو – أميركية وبرنامج حلف الأطلسي للتحكم بأوراسيا، ويولي الأسطول الأميركي في المحيط الهادئ أهمية إستراتيجية لجزيرة غوام في المحيط الهادئ، ولهذا فإنها تعزز تعاونها مع استراليا وسنغافورة والفيليبين واليابان من أجل استكمال تطويق الصين.
ولغرض التحكم بالبحار والتجارة العالمية وتطويق عملاقي أوراسيا الصين وروسيا تسعى الولايات المتحدة اليوم لتشكيل ما بات يعرف بـ (القوات البحرية المعولمة)، فقد صرح الأميرال مايك مولن، رئيس الأركان المشتركة الأميركية السابق، أن الولايات المتحدة تحاول بناء أسطول من ألف بارجة للتحكم بالمياه الدولية، وهذه الإستراتيجية في نهاية الأمر تعني اندماج القوات البحرية لحلف الأطلسي وقوات البحرية للحلفاء الآخرين في شراكة بحرية عالمية، وهي إستراتيجية هدفها الأساسي تطويق مراكز القدرة الآسيوي .. وهذا ما يهدد التجارة الدولية بين أفريقيا وأوراسيا عبر المحيط الهندي.
ولهذا طورت الصين أساطيلها وقواعدها على طول الممرات البحرية الحيوية، وسعت إلى الاتفاق مع الباكستانيين على بناء قواعد للبحرية الصينية في مرفأ غوادار في، وعلى حق استخدام مرفأ هاماباتوتا جنوبي الجزيرة، كما أنها صممت بناء مرفأ في ميانمار، وهي حليفة للصين، وبناء هذا المرفأ من شأنه القضاء على أي عقبة أو تهديد للحركة في مضيقي تايوان وملاقا.
إن التعاون بين الصين وروسيا وإيران وجمهوريات آسيا الوسطى يهدف إلى فتح ممر أطلسي آسيوي يضمن استمرار تزود الصين بالطاقة عندما تعمد الولايات المتحدة إلى فرض حصار بحري في المحيطات، وثمة مباحثات دائرة اليوم بالتعاون مع روسيا حول مد أنبوب للغاز من إيران إلى الصين، مروراً بباكستان والهند.