تداول السلطة بين أمريكا وطالبان
ريا خوري
لقد ثبت بالتجربة فشل استراتيجيات وخطط سابقة للولايات المتحدة الأمريكية، والتي كانت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الابن قد أعلنتها بعد الحادي عشر من أيلول، من أن الحرب على الإرهاب لم تبدأ بعد، وأن القتال في أفغانستان هو المرحلة الأولى من هذه الحرب التي ستكون طاحنة ومدمرة. كما ثبت فشل سياسات كولن باول وزير الخارجية في الولاية الأولى لجورج بوش الابن، الذي أعلن أن هناك مبدأ عسكرياً صار تقليداً منذ ما بعد حرب فيتنام القاسية والمريرة، وهو ألاّ تدخل الولايات المتحدة الأمريكية أي حرب، إلا إذا كانت حرباً إستراتيجية توفر لها منفذاً سلساً للخروج دون أن تتعرض لخسائر بشرية أو مادية فادحة، وحتى لا يصبح تدخلها المباشر، وكأنها تغوص في مستنقع ليس هناك طريق للخروج منه بسهولة!.
اليوم يعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أن ما يتراوح ما بين ألفين وخمسمائة إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة جندي أمريكي سوف ينسحبون من أفغانستان بحلول الحادي عشر من أيلول المقبل، وستفعل بريطانيا الشيء نفسه حيث ستسحب ما تبقى من قواتها العسكرية هناك، مع كامل عتادهم. ويعد هذا التاريخ مهم جداً بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأمريكية إذ يصادف ذكرى مرور 20 عاماً على هجمات برجي مركز التجارة العالمي، وهي الهجمات التي كانت ذريعة لاحتلال أفغانستان، حيث قادت الولايات المتحدة تحالفاً غربياً واجتاحت أفغانستان وأطاحت بحكم طالبان، لكن كانت تكلفة هذا الغزو والوجود العسكري والأمني لمدة عشرين عاماً هناك باهظة للغاية من الناحية البشرية والمالية.
بعد قرار الرئيس الأمريكي، كانت أولى التوقعات ترجّح عودة حركة (طالبان) للسيطرة على الدولة والحكومة الأفغانية، وهي التي كانت الهدف الأوّل للغزو الأمريكي لأفغانستان في عام 2001. وبالتالي يتناغم قرار بايدن مع ما تحدثت عنه مراكز أبحاث ودراسات إستراتيجية في الولايات المتحدة من أن القوة العسكرية الأمريكية لم تعد مطلقة القدرة والقوة على تحقيق ما قدرته وحسبته لنفسها منذ بداية انتهاج أسلوب التدخل العسكري المباشر في الدول الأخرى.
وبالفعل كان موضوع استخدام القوة العسكرية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية موضوع للجدل والنقاش منذ الفشل العسكري الأمريكي في العراق، خاصةً أن المشكلة تقع في استحواذ روح الحرب والنزعة العسكرية المتفاقمة على السياسة الأمريكية. لهذا إن إعلان بايدن هو بمثابة إقرار بمحدودية القوة العسكرية للولايات المتحدة الأمريكية في تحقيق أهداف وخطط سبق إعلانها من جانبها، ومن ثم كانت العودة بشكل سلبي إلى نقطة الصفر بالانسحاب من أفغانستان، لتحل محلها حركة (طالبان) من جديد.