فايز خضور يلملم حروفه الشعرية راحلاً
البعث- نزار جمول
ودّعت سلمية يوم أمس سنديانة الشعر العربي الشاعر فايز خضور عن عمر ناهز ٧٩ عاماً ليعود إلى سلمية حبه الأخير، وهو ذاك الذي ينبض بالشعر بلغته التي تكتنفها الخصوبة والشراسة ويسكن بداخله الوطن مع الرفض والتمرد والحرية، لأن سلوكه يتماهى مع نصه الشعري الذي جعله يترنم بالمفردات والتفعيلات ليصبح محترفاً في نحت كلماته ويجدّد لغته التي تنبض بالحياة.
ولد الراحل الكبير في مدينة القامشلي في العام ١٩٤٢ وأمضى طفولته في سلمية وحصل على الثانوية من مدينة مصياف ومن ثم الأدب العربي من جامعة دمشق، وحفظ القرآن الكريم من خلال خاله الشيخ شهاب الحموي وأولع بسورتي “مريم ويوسف”، ومارس مهنة الصحافة ما بين دمشق وبيروت محرراً ثقافياً في منتصف الستينيات ثم قام بنشر شعره في مجلات “الآداب والمعارف والأدب وفكر والأحد والبناء والمعرفة والموقف الأدبي”، وبدأت رحلته الشعرية مع الشعر التقليدي ثم تحوّل إلى التجديد في وقت كانت تعتبر فيه الحداثة تخريباً للشعر، حيث اكتشف هويته الشعرية في أواخر الستينات، وكتب القصة والمسرح والرواية، لكن الشعر كان بداخله يتفجر كالبركان ورأى فيه خلاصه ورسم لنفسه خطاً اعتبر من خلاله أن أبا النواس كان حداثوياً لخروجه المستمر عن المألوف ولم ينسَ أن يتذوق شعر المتنبي وأبي تمام، واهتم أيضاً بكتابات جبران خليل جبران ونالت كتابات محمد الماغوط إعجابه، مع تأكيده على أنه كاتب كبير وليس شاعراً، وتحفظ على تسمية قصيدة النثر واعتبر ترجمة الشعر خيانة عظمى له بسبب خصوصية اللغة وإيحاءات الشاعر التي لا يمكن للترجمة نقلها، وقال عنه الشاعر جوزيف حرب: إنه الشاعر الأمهر، إشارة منه إلى تعبه على قصيدته، وتناول تجربته عدة نقاد منهم “حنا عبود وخليل موسى ومعروف عازار”.
أصدر ثلاثاً وعشرين مجموعة شعرية هي على التوالي “الظل وحارس المقبرة، صهيل الرياح الخرساء، عندما يهاجر السنونو، أمطار في حريق المدينة، كتاب الانتظار، ويبدأ طقس المقابر، غبار الشتاء، الرصاص لا يحب المبيت باكراً، آداد، ثمار الجليد، سلماس، نذير الأرجوان، فضاء الوجه الآخر، ستائر الأيام الرجيمة، حصار الجهات العشر، قداس الهلاك، مصادفات، عشبها من ذهب، في البدء كان الوطن، أريج النار، مرايا الطائر الحر، رنيم الطائر الجارح، هجائيات هادئة”.
أصدرت وزارة الثقافة أعماله الكاملة عام ٢٠٠٣ رتبها بنفسه كقصائد كتبها ما بين أعوام ١٩٥٨ و٢٠٠٠ حسب التسلسل الزمني لكتابتها، وأصدرت له الوزارة كتابه “ظلال الكلام” عام ٢٠٠٤ الذي ضمّ نصوصاً نثرية تمثل سيرته الذاتية وبعض آرائه في الشعر والحياة.
وقد ظل الشاعر خضور يرفض المهادنة بكل أشكالها، حتى في قصائد العشق، أو في تصوفٍ ابتدعه وأجاد في رسمه، وبالمختصر فإن مملكة فايز خضور الشعرية غنية بالصدق ثم الصدق ثم الحكمة.
*تمّ اقتباس المعلومات من كتاب “شعراء سلمية ج١” للأديب محمد عزوز.