حتى بذار البطاطا.. نستورده
بما أن ما من أسرة سورية تستغني عن البطاطا، فإننا نستغرب عدم تأمين بذارها محلياً بدلاً من استيرادها!
والسؤال: هل عمل مؤسسة إكثار البذار الإنتاج أم الاستيراد؟
تقدّر المؤسسة متوسط احتياجات البلد السنوية من بذار البطاطا بنحو 18 ألف طن للعروات الثلاث الربيعية، الصيفية، والخريفية.
وكما نرى، فالكمية ليست كبيرة ومع ذلك تتباهى المؤسسة باستيرادها لا بإنتاجها، مثلما تتباهى مؤسسة الحبوب باستيراد القمح بالقطع الأجنبي!
وما لفتنا تأكيد مدير المؤسسة بوجود مشروع لإنتاج بذار البطاطا محلياً (نظراً لأهميته بتأمين حاجة المزارعين، وتخفيض الكميات المستوردة، وبالتالي توفير القطع الأجنبي اللازم لاستيرادها)!
ويبدو إن ما من حكومة دعمت مشروع إنتاج بذار البطاطا لتأمين المادة بأسعار مقبولة على مدار العام، لأن الأولوية دائماً لمصلحة الاستيراد والمستوردين.!
وإذا ما استعرضنا إهمال المشاريع الإنتاجية التي توفر القطع الأجنبي، كالأعلاف مثلاً المسؤولة عن غلاء اللحوم والألبان ومشتقاتها لما استغربنا ارتفاع أسعار السلع الغذائية واختفاء الأساسي منها من موائد ملايين الأسرة السورية.!
وفي الوقت الذي خصصت فيه الحكومات السابقة مليارات الدولارات للاستيراد.. فإنها قتّرت على المشاريع الإنتاجية المدرة لا المستنزفة للقطع الأجنبي!
ولا شك أن لدى وزارة الزراعة الخبرات الفنية لإنتاج احتياجاتنا من البذار والأعلاف والكثير من السلع البديلة للمستوردة، لكن المشكلة دائما كانت ولا تزال في الاعتمادات المخصصة لمشاريع بدائل المستوردات فهي ضئيلة جداً، وكأنّ من يحدّد حجمها حريص جداً على عدم ترجمة الاعتماد على الذات من الأقوال إلى الأفعال وإلا ما مبرر استيراد حتى بذار البطاطا.؟!
إن الأزمة التي عصفت بملايين الأسر السورية بعد ارتفاع أسعار اللحوم والفروج والحليب ومشتقاته والبقوليات والحبوب دفعت بوزير الزراعة إلى التصريح علناً: أمننا الغذائي في خطر!
وهو فعلا في خطر ما دمنا نستورد حتى بذار البطاطا وأعلاف الأغنام والأبقار والدجاج!
بل أن الأصوات بدأت ترتفع لاستيراد اللحوم والفراريج المبردة.
والمسألة لا يمكن حلها بإصدار نشرات أسعار دورية للسلع الأساسية ولا بتنظيم الضبوط بمن يخالفها، فما دامت كلف مكونات إنتاجها مستوردة، فهذا يعني أن أسعارها ستبقى أعلى بكثير من دخل ملايين الأسر العاملة بأجر.!
الحل الدائم والجذري بالإنتاج المحلي، وبدعم هذا الإنتاج إلى الحد الذي يتيح تصنيع سلع تناسب الدخل، ومثل هذا الدعم سينعكس إيجاباً على زيادة القدرة الشرائية لليرة ويخفض الضغط على القطع الأجنبي.!
ومن المؤسف أن تعاني المشروعات الصغيرة والمتوسطة من تسويق منتجاتها إلى حد تصبح فيه مهددة بالتوقف بدلا من أن تقدم لها الجهات الحكومية والخاصة الدعم والمساعدة بشراء سلعها التي تتميز بالجودة والرخص مقارنة بمثيلاتها سواء المستوردة أو المصنعة محليا!
قلناها أكثر من مرة: اقتصاد الاعتماد على الذات لا يحتاج إلى لجان دائمة ولا مؤقتة بل يحتاج إلى خطط خمسية تتضمن برامج مادية وزمنية تلحظ لها الاعتمادات في الموازنات العامة للدولة، وهذا لم يحصل حتى الآن رغم نجاعة هذه الخطط وفعاليتها في عقدي الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي التي جعلت سورية مكتفية ذاتياً مع احتياطي كبير من القطع وصفر ديون.
علي عبود