الانتفاضة الفلسطينية ومصير المناورة الصهيونية
محمد نادر العمري
رغم كل المخاطر والتحديات التي فرضتها الساحة الفلسطينية المشتعلة على جدول أعمال الكيان الإسرائيلي، واصطدام التبدلات في المشهدين الإقليمي والدولي بعكس رغبة حكومة هذا الكيان، كل ذلك لم يحل دون إطلاق قيادة جيش الاحتلال الإسرائيلي صباح الأحد الماضي ما روّج له بـ”المناورة الأكبر في تاريخه” تحت مسمّى “مركبات النار” والتي من المزمع استمرارها لمدة شهر تقريباً.
وفق وسائل الإعلام الإسرائيلية فإن هذه المناورة ستشارك فيها فرق من القوات النظامية والاحتياطية على حدّ سواء، ومن كل الأسلحة، كما أنها ستتضمن أيضاً مشاركة سياسية إلى جانب وزارة الأمن وما يعرف بسلطة الطوارئ ووزارة الخارجية وأجهزة أمنية أخرى، حيث ستفرد هذه المناورة حيزاً منها للجبهة الداخلية التي تشكل اليوم عامل قلق للقيادات الأمنية والعسكرية والسياسية الإسرائيلية.
اللافت في هذه المناورات ما يلي: أولاً استبقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بالتأكيد أنها تحت أعين المقاومين ومراقبتهم، وأن حزب الله مستعد وجاهز وحاضر للتعامل مع أي خطأ ترتكبه “إسرائيل” بحجة المناورات. وفي كلمته بمناسبة يوم القدس العالمي وقبيل انطلاق المناورات الإسرائيلية، وجّه كلمة تضمنت في طياتها تحذيراً واضحاً وحازماً إلى قادة الاحتلال الإسرائيلي، وقال إن أي خطوة خاطئة باتجاه لبنان وأي محاولة للمسّ بقواعد الاشتباك أمر مرفوض.
هذا التصريح يحمل مؤشرين: الأول أن لدى محور المقاومة عموماً وحزب الله بشكل خاص معلومات حول احتمال استغلال حكومة الكيان هذه المناورات للقيام بعملية عدوانية في لبنان أو على المستوى الإقليمي لخلط الأوراق وتحقيق أهداف سياسية داخلية تصبّ في مصلحة نتنياهو.
أما المؤشر الثاني، فنتنياهو، ونتيجة تأزم وضعه السياسي الداخلي، وفي ظل اقتراب التوصل إلى تفاهمات حول الاتفاق النووي، والتقارب السعودي الإيراني، قد يقدم على حماقة يدفع بها الجميع لجردة حسابات جديدة.
النقطة اللافتة الثانية هي تزامن هذه المناورات مع انتفاضة الأقصى، وتصاعد وتيرة التصعيد، مع دخول الفصائل على مسار المواجهة مع الكيان، إلى جانب ما يسطّره الشعب الفلسطيني من بطولات في مواجهة الغطرسة والإرهاب العنصري الإسرائيلي، حيث يمكن تصنيف الإعلان الإسرائيلي عن المناورة بهذا الزخم والترويج لها بهذا القدر بأنه نتيجة الخوف الذي بات يهيمن على الداخل الإسرائيلي، وبعد عدة نكسات تعرض لها هذا الداخل، وخاصة انهيار جسر فوق المتطرفين أثناء احتفالهم بإحدى المناسبات اليهودية.
لذلك الخوف يهيمن اليوم على قرارات وسلوك وآمال هذا الكيان في ظل الوضع الداخلي المتردي من ناحية المعنويات للمستوطنين، وقد يكون أحد أهداف الإعلان عن هذه المناورة هو تطمين الجبهة الداخلية، في ظل ما كشفته صحيفة (يسرائيل هيوم) في 20 رمضان، نقلاً عن خبراء إسرائيليين: “بأن جهود جيش الاحتلال لمنع موجة جديدة من العمليات العسكرية الفلسطينية لم تنجح.. وبأن الضفة ستشتعل وإطلاق الصواريخ من غزة سيتجدّد، وبحلول نهاية رمضان ستكون المنطقة شديدة الانفجار، وهو ما بدأ بالتنفيذ في 28 من رمضان”.
من المؤكد في ظل بعض هذه التقديرات أن هذه المناورات لن يكون لها أصداء لا على الصعيد الداخلي الإسرائيلي ولا على المستوى الإقليمي، فإن أقدم الاحتلال على القيام بمغامرة لخدمة أهداف نتنياهو، سواء كان منها منع منافسة لائيد لابيد من تشكيل الحكومة أو لاستقطاب التأييد الداخلي للانتخابات القادمة أو لتشكيل حكومة طوارئ، لن يكتب لها النجاح، ولاسيما بعد الجهوزية التي أعلنها محور المقاومة، ومن ثم ما أفادت به مصادر أمنية إسرائيلية “للقناة العاشرة” بأن حزب الله اللبناني وضع قواته في حالة جهوزية تامة على طول الحدود الجنوبية من رأس الناقورة وحتى مزارع شبعا المحتلة، تزامناً مع المناورة الإسرائيلية.
إن هذه المناورة قد لا تطغى على وسائل الإعلام بقدر ما ستطغى أنباء تصاعد وتيرة المواجهة التي تتدحرج بشكل كبير في الداخل المحتل مابين جيش الاحتلال من جانب، والمنتفضين والمقاومة الفلسطينية من جانب آخر، وهو ما قد يقود نحو اختزال المناورة وربما إلغائها في حال خروج الأمور عن السيطرة.