مفكرون كبار.. أفكار عظيمة.. مدخل إلى الفكر الغربي
في مغامرة أليس في بلاد العجائب، ثمّة مشهد تظهر فيه أليس وهي تمشي وحيدة وتصل إلى مفترق طرق، تتوقف وتسأل القط: “هلّا أخبرتني أي طريق ينبغي أن أسلك لأخرج من هنا؟” فأجاب القط: “هذا يعتمد كثيراً على المكان الذي ترغبين في الذهاب إليه”، فقالت أليس: “لا يهمني كثيراً إلى أين”، فأجاب القط: “إذن لا يهمّ أي طريق تسلكين”.
أي طريق ينبغي أن نسلك في رحلة الحياة، هي مسألة تواجه جميع الشباب، ومن هنا فإن كل أساليب التعليم تستند إلى فرضية مفادها أن الطريق الذي يسلكه المرء أمر مهمّ، لكن التفكير واتخاذ القرارات المتعلقة باختيار أفضل الطريق يحمل أهمية أكبر.
يقدّم كتاب “مفكرون كبار.. أفكار عظيمة مدخل إلى الفكر الغربي” الصادر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب دراسة حول بعض النظريات السياسية والأخلاقية والاقتصادية، إذ تعدّ هذه الأفكار الأساسية كما طرحها بعض المفكرين العظماء في الحضارة الغربية بمنزلة نقاط علام أو لافتات طرقية على الطرق الكثيرة والمتنوعة التي يمكن أن نسلكها عند تكوين آراء عن بعض الأسئلة ذات الأهمية الجوهرية: ما العلاقة المثلى بين المواطن والدولة؟ كيف نفرّق بين الصواب والخطأ بالشكل الأنسب؟ وهل لكل شخص قيمة؟ وإذا قبلنا مفهوم حكم الأغلبية، فكيف نتعامل مع رغبات تلك الأقليات؟ وإذا رفضنا هذا المفهوم، فماذا عسانا أن نختار بديلاً عنه؟ عقوبة الإعدام، والإجهاض، والحرب والسلام، والحب والجنس، والمشاريع الحرة، والشيوعية، والاشتراكية، وقضايا أخرى لا حصر لها.
ولما كانت القضايا لا حصر لها، والأسئلة لا متناهية، والأفكار معقّدة، كان الكتاب الصادر ضمن المشروع الوطني للترجمة عرضاً للأفكار والمفاهيم الأساسية التي طرحها بعض الفلاسفة المعروفين، حيث كتب في مقدمة الكتاب: “لن نحاول دراسة الفلسفة دراسة متعمقة، بل يكمن هدفنا في تعريف الطلاب بالأفكار المهمّة للفلسفة الغريبة، والقيام بتحليل صحة الأفكار التي تواجهنا، وزيادة عدد الإمكانات المتاحة لدى اتخاذ الخيارات الفكرية.
أما من حيث موضوع الدراسة، فأهدافها متواضعة، وندرك أننا لن نحقق الغاية الأساسية ولن نصل إلى الهدف المنشود، ولكن هذا أيضاً يعدّ جزءاً من العملية التعليمية التي يجب أن يدركها الطلاب، فكثيرة هي المرات التي نعجز فيها عن تحقيق أهدافنا، ولكن إذا عرفنا إلى أين نريد أن نذهب، فعلى الأقل سنعرف الطريق الذي يجب أن نسلكه، وهكذا فنحن متقدمون خطوة واحدة على أليس”.
“مفكرون كبار.. أفكار عظيمة مدخل إلى الفكر الغربي” تأليف: فنست ج. فالكون وترجمة سماح قاضي أمين، يشرع في تجربة تتمثل في دراسة الأفكار، إذ يقوم عدد من أعظم المفكرين من عهد الإغريقيين القدامى حتى يومنا هذا بمدّ يد العون في هذه الدراسة عبر مواجهة وتحدي أفكار حول كثير من الأسئلة، وسينصَب التركيز العام على الأفكار السياسية والأخلاقية والاقتصادية، وبالتالي يتطرق خلال هذه العملية إلى موضوعات متعلقة بشكل مباشر، أو غير مباشر أحياناً، بالاتجاه الرئيسي لهذه الدراسة.
“تاريخ الأفكار”
يمكن أن نطلق على هذه الدراسة “دراسة في تاريخ الأفكار”، أو يمكننا أن نقول ببساطة إننا سنناقش الفلسفة، وبغض النظر عن العنوان، فالموضوع واحد، ما الفلسفة؟ لماذا يجب أن ندرسها؟ ومالنفع الذي نجنيه من ذلك؟.
الفلسفة تعريفياً تعني “حب الحكمة” ويرجى التنبه إلى أنها لاتعني حب المعرفة، على الرغم من أهمية المعرفة، ولكنها حب الحكمة، وقد قيل: إن الفلسفة فن تبسيط المعقد، أو طريقة من طرق التفكير أو البحث عن الحقيقة، أو البحث عن معنى، أو هي أسلوب لعيش حياة رغيدة.
في ورقة أسئلة الاختيار من متعدّد، ستكون الإجابة الصحيحة هي “كل ما سبق” بل أكثر من ذلك، قال سقراط ذات مرة: “الحياة دون تحديات لا تستحق العيش”، الحياة قيمة، ولذلك نحن مجبرون على محاولة تعلم كيفية العيش بطريقة جيدة.
في النهاية، يطرح هذا النص مقدمة أساسية عن الموضوع، وسيكون مسهباً في السياسة والأخلاق والمنطق، ومقتضباً في الجماليات والميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة. وطريقة العرض هذه مقصودة، والغاية منها حمل الطلاب على المناقشة وتوسيع فهمهم للقضايا ذات الأهمية بالنسبة إليهم من خلال تبادل الأفكار، ومن المؤكد أنه لن يتمّ تناول كل شيء في هذه الدراسة، لكن يمكن القول إننا سنتعرف على الكثير من الأشياء، وسوف يكون هذا الكثير مما نتعلمه محيراً، لكن الحيرة هي بداية الحكمة، وهذا يعيدنا إلى تعريف الفلسفة.
جُمان بركات