الاستحقاق الدستوري.. معالم مرحلة جديدة
ما مرّ بسورية في العقد المنصرم من أحداث غيّر الكثير من المعادلات الإقليمية والدولية، وكان سبباً في أن قسم العالم إلى قسمين هما: محور المقاومة، وتيار الهيمنة والسيطرة الذي حاول كثيراً أن يعطّل خطوة إقامة الاستحقاق الدستوري، إلا أنه فشل في تحقيق مخططه. وفي هذا المجال أقامت جمعية البحوث والدراسات في اتحاد الكتّاب العرب ندوة عن الاستحقاق الدستوري، أدارها د. أكرم الشلي.
الكل يعلم حجم الضغوط التي مورست على هذا البلد كي لا يحصل هذا الاستحقاق، إلا أن دمشق تعدّه قراراً سيادياً بامتياز وطني قومي عروبي وليس لأي جهة أخرى، على الرغم من محاولة تأجيل الانتخابات بزعم انتظار اللجنة الدستورية لانتهاء أعمالها، ومرة أخرى بالحصار الاقتصادي والوصول إلى التهديد العسكري، هذا ما تحدث عنه د. علي دياب أمين سر الجبهة الوطنية التقدمية، وأكد فيه على أهمية الاستحقاق قائلاً: “هذا الاستحقاق الدستوري يختلف تماماً عما سبقه، لأنه يرسم معالم المرحلة المقبلة، فاستحقاق 2014 كان مطلب الشارع فيه إنهاء حالة الحرب التي تعيشها البلاد وإعادة الأمن والأمان، أما استحقاق اليوم فمطلبه تحسين الوضع الاقتصادي والتغلّب على الحصار، ومكافحة الفساد ووضع حدّ للتهرب من العقاب، إضافة إلى تحرير ما تبقى من أراضي البلاد. كان هدف الحرب ضرب مؤسسات الدولة وإسقاطها بالإرهاب، ثم ضرب مشروعية النظام السياسية والشعبية، والاستحقاق في موعده كان هدفه الحفاظ على هذه المشروعية، وهذا الانتخاب سيسهم في صنع الاستقرار في البلاد، فالحنكة السياسية التي امتلتكها سورية وقيادتها،واستطاعت الصمود في وجه حرب عاتية لعقد من الزمن، وستسهم في تحقيق المنشود، الاستحقاق مهمّ بقدر الحرب المفروضة على سورية، وخوض الانتخابات مهمّ بقدر أهمية خوض الحرب، والانفراجات السياسية والعسكرية والاقتصادية على سورية سوف تبدأ بعد انتهاء الاستحقاق”.
إدارة وطنية
وإذا كانت الوطنية تعني حب الوطن والسعي إلى خدمة مصالحه، فإن الإدارة الوطنية التي تعني قيادة البلاد وتوجيهها هي التي تتخذ من الوطن عنواناً لها، واضعة نصب أعينها مصلحته ومصلحة مواطنيه فوق كل اعتبار، هذا ما بدأ به د. جابر سلمان عضو المكتب التنفيذي لاتحاد الكتّاب العرب به مداخلته الانتخابات الرئاسية استحقاق وطني بامتياز”، وعدّد فيها سمات أساسية يجب أن تتسم بها الإدارة لتكون ناجحة في أدائها منها: أن يكون انتماؤها لأرض الوطن، وتشارك في تأمين مستلزمات المواطنين، وأن تلامس همومهم ومعاناتهم في أوقات الشدة وألا تدعهم لمصيرهم في حال تعرّض الوطن لهزات اقتصادية أو أمنية أو سياسية، وأن تكون على مسافة واحدة من أطياف المجتمع عبر المساواة في التعامل، وأن ترى في الشعب مصدر السلطات التشريعية والتنفيذية والرقابية، ورفض أي شكل من أشكال الوقوف على الحياد في القضايا الوطنية الصرفة. هذه البنود تؤدي إلى القول بأن الهوية الوطنية غير قابلة للمساومة لأنها عنوان الانتماء للوطن، ويجب رفض أي شكل من أشكال الإملاءات الخارجية، والنظر إلى كل من يقف على الحياد تجاه قضايا الوطن المصيرية على أنه خائن.
حق ديمقراطي
وأضاف د. سلمان مذكراً بالأسس التي حدّدها الرئيس بشار الأسد في كلمة له ينبغي اتباعها لتحصين الهوية الوطنية الجامعة وللمحافظة على سورية موحدة ذات قرار سيادي مستقل وهي: النظر إلى كل ما يرتبط بمصير سورية ومستقبلها على أنه سوري مئة بالمئة، والتأكيد أن وحدة الأراضي السورية هي من البديهيات، والهوية الوطنية السورية هي جوهر العروبة الجامعة لأبناء الوطن، وعدم السماح لمن ناصبوا سورية العداء من إرهابيين وعملاء أن يحققوا في السياسة ما عجزوا عن تحقيقه في الميدان، واستمرار النظر إلى فلسطين على أنها جوهر الصراع.
إن العمل بهذه الأسس والأخذ بها يسهم في بناء سورية المستقبل القوية المستقلة، فضلاً عن أنه يحصّن منظومة القيم الحضارية لدى السوريين، إن هذا الاستحقاق الدستوري الرئاسي هو استحقاق شعبي ديمقراطي بامتياز يعبّر تعبيراً صادقاً عن الوفاء للوطن، وإن ممارسة حقنا الديمقراطي في اختيار من يمثلنا في المرحلة القادمة هو شكل من أشكال الصمود والمواجهة، يتكامل مع صمود الجيش العربي السوري وانتصاراته على الإرهابيين وعلى داعميهم ومموليهم.
عُلا أحمد