حضور العيد في الأدب العربي
دير الزور– خالد جمعة
العيد لغةً: هو كل يوم فيه جمع، وأصل الكلمة من عاد يعود، قال ابن الأعرابي: سُمّي العيد عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدّد.
وعيد الفطر سُمّي كذلك لأن المسلمين يفطرون فيه بعد صيام شهر رمضان، قال جبير بن نفير: «كان أصحاب رسول اللَّه إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك». وقد جرت العادة في كثير من الدول العربية التهنئة بقول: عيدكم مبارك، أو كل عام وأنتم بخير أو من العائدين الفائزين.
تعدّ الأعياد من مكونات الحياة والتي تعكس مرآة الفرح في المجتمعات على اختلاف اتساقها وجغرافيتها وفنونها وآدابها. والأدب العربي كما عُني بموضوعات متعدّدة وكثيرة، كذلك اعتنى بفرحة العيد وتوقف عندها، إذ تنوعت نتاجات الكتّاب الأدبية بين المقال والشعر والنثر، لتحظى كل مناسبة دينية واجتماعية بمساحتها الخاصة من ذاكرة الأدب والثقافة العربية، ولاسيما الأعياد التي استقبلوها تارة بمشاعر من فرح وتارة أخرى بحزن وأسى، خاصة وأنها عكست الأحوال الاجتماعية والمادية في البلاد والأمة الإسلامية بصفة عامة. ولعلّ طقوس الأعياد على اختلاف زمانها ومكانها شكلت جزءاً من تاريخها وأعطتها طابعها وهويتها.
الفراعنة من أقدم الشعوب الذين اهتموا بمظاهر الحديث، وهذا ما ورد ذكره على لسانه عزَّ وجل في سورة طه على لسان فرعون: (قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى).
ويعدّ الحجاج بن يوسف الثقفي أول من سنّ تقديم الهدايا في الأعياد للخلفاء في الإسلام، لكن عمر بن عبد العزيز أبطلها، واستمر سريان القرار، إلى أن أرسل أحمد بن يوسف الكاتب بهديته الشهيرة إلى المأمون.
وقدم صلى الله عليه وسلم المدينة، ولهم يومان يلعبون فيهما فقال ما هذان اليومان؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَبْدَلَكُمْ بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا: يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْر).
كان العرب في أعيادهم ومواسمهم، يتزينون بأحسن الثياب والملابس الفاخرة، والحلل والبرود الموشاة، كما يقيمون حفلات غنائية وفلكلورية يضربون فيها بالدفوف والمزاهر. يقول الشاعر يزيد بن الحكم مشيراً إلى المعنى اللغوي للعيد، في مطلع قصيدة يمدح بها هشام بن عبد الملك:
أمسى بأسماء هذا القلب معمودا إذا أقـــــول صـــحا يعتاده عيدا
كأنني يوم أمـــــسى ما تكلــمني ذو بغية يبتغى ما ليس موجود
في سياق متصل، كتب أبو الطيب المتنبي قصيدة هجائية عبّر فيها عن مرحلة اليأس والإحباط التي وصل إليها بسبب حاكم مصر الإخشيدي، المسمّى بكافور، مستغرباً من مجيء العيد في هكذا حال، فقال:
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
وذكر المتنبي المناسبة نفسها في قصيدة مدح لسيف الدولة الحمداني، قائلاً:
هَنيئاً لَكَ العيدُ الَّذي أَنتَ عيدُهُ وَعيدٌ لِمَن سَمّى وَضَحّى وَعَيَّدا
واستمراراً لمشاعر الحزن كتب أبو الفرج بن سلامة عن فراق أحبابه بالعيد:
من سره العيد فما سرني بل زاد في همّي وأشجاني
ويُعَدُّ ابن المعتز أول من ربط بين الهلال وعيد الفطر، حين قال:
أهـلاً بفِطْـرٍ قـد أنـافَ هـلالُـه فـالآنَ فاغْدُ على الصِّحاب وبَكِّـرِ
وانظـرْ إليـه كزورقٍ من فِضَّــةٍ قـد أثقلتْـهُ حمـولـةٌ مــن عَنْبَـرِ
ويصف ابن الروميّ أيضاً هلال شوّال وصفاً لا يخلو من طرافة وحُسْنِ بديع، فقال:
ولما انقضى شهـر الصيـام بفضله كحاجـبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه
تجلَّى هـلالُ العيـدِ من جانبِ الغربِ يشيرُ لنا بالرمـز للأكْـلِ والشُّـرْبِ
أورد صاحب كتاب “مفيد العلوم” أن رجلاً أوصى امرأته بذبح الديك في العيد لرقة حاله (أي فقره)، فانقلب الديك يصيح من جدار إلى جدار فكسر لجار له قارورة وأراق لجار آخر سمنًا! فسألوا المرأة عن قضيتها فأخبرتهم بها، وكانوا هاشميين فقالوا: والله لا نرضى أن يكون حاله كذا، فبعث واحد شاة، وآخر بقرة وآخر ذهباً، فرجع فإذا بيته مملوء نعمة وروائح الطبيخ والشواء، فأخبرته فامتلأ سروراً، وقال لامرأته: احتفظي بهذا الديك النفيس وأكرمي مثواه، فإنه أكرم على الله من فدية إسماعيل!! قالت: وكيف؟ قال لأن الله لم يفده إلا بذبح واحد، وفدى هذا الديك بهذه الشاة والبقرة!.