هل تحضّر الولايات المتحدة لبدء حرب بيولوجية؟
إعداد: هيفاء علي
أشار روبرت ريدفيلد، الرئيس السابق للمركز الأمريكي للوقاية من الأمراض ومكافحتها، إلى أن فيروس كورونا مفتعل، في حين اعترف المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس بعد أسبوع بأن مصدر عدوى الفيروس التاجي لم يتمّ تحديده مطلقاً، وأن المنظمة واصلت النظر في “جميع الإصدارات الممكنة من أصل الفيروس التاجي”.
على الرغم من أن الولايات المتحدة تحاول بقوة أن تجادل بأنه لا علاقة لها بهذا الوباء القاتل الذي كاد أن يدمّر القرن الحادي والعشرين، فإن مثل هذه الاتهامات ضد واشنطن شائعة بشكل متزايد في استنتاجات مختلف الخبراء. حتى صحيفة “ديلي ميل” البريطانية دعمت هذه الاتهامات بالإشارة إلى أنه في عام 2017، عندما لم يتخيّل أحد في العالم تفشي وباء فيروس كورونا عالمياً في عام 2019، توقعت أجهزة المخابرات الأمريكية الوضع. وعليه، فإن الافتراضات القائلة بأن مثل هذه “التنبؤات الباطنية” كانت تستند بوضوح إلى معرفة كاملة بموضوع “التنبؤ” من أنشطة العديد من المختبرات الحيوية الأمريكية السرية المنتشرة في جميع أنحاء العالم، وقد ظهر العديد منها في السنوات الأخيرة بالقرب من حدود الصين وروسيا وأصبحت خطيرة للغاية.
هذا الأمر يذكّر بالتجربة التاريخية للإبادة الجماعية البيولوجية الأمريكية حول العالم. ويكفي التذكير بأغطية التيفود التي تحوي القمل واستخدموها لإبادة أكبر عدد ممكن من الهنود، أو عمليات التطهير الوحشية التي شُنّت ضد شعب أستراليا والتي تمّت من دون مساعدة انتشار الأمراض الفتاكة، وأيضاً عملية مزرعة البنتاغون التي لوثت الكثير من جنوب فيتنام بالعامل البرتقالي.
لذلك، فإن طلب بكين من الولايات المتحدة تقديم معلومات عن التجارب التي أجريت في المختبرات الحيوية العسكرية الأمريكية، ولاسيما في أوكرانيا وفي فورت ديتريك، بولاية ماريلاند (الولايات المتحدة)، يبدو الآن معقولاً للغاية، خاصة وأنه في غضون السنوات الأخيرة أنشأ “المتخصّصون” في البنتاغون ووكالات الاستخبارات الأمريكية شبكة كاملة من المختبرات البيولوجية السرية، حيث تشكّل معامل الحرب البيولوجية الأمريكية اليوم تهديداً مباشراً لأكثر من اثنتي عشرة دولة. وبحسب المعلومات، أنشأت الولايات المتحدة مختبرات حيوية في 25 دولة حول العالم في الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا والاتحاد السوفييتي السابق، ففي أوكرانيا وحدها، هناك أكثر من عشرة مختبرات!.
صحيح أن الولايات المتحدة صادقت على اتفاقية الأسلحة البيولوجية في عام 1972، لكنها رفضت قبول بروتوكولها الخاص بآليات الرقابة المتبادلة في عام 2001، لذلك لا يمكن التحقق من الامتثال لاتفاقية واشنطن بالوسائل القانونية الدولية، بل تنتهز الفرصة لتوسيع شبكتها من المختبرات البيولوجية العسكرية حول العالم وأنشطتها السرية، وهنا تكفي الإشارة إلى أنشطة هذه “المنشآت السرية” في أوكرانيا.
في عام 2005، وقّعت أوكرانيا والولايات المتحدة اتفاقية بين وزارة الصحة في أوكرانيا ووزارة الدفاع الأمريكية “بشأن منع انتشار التكنولوجيا ومسبّبات الأمراض والمعرفة التي يمكن استخدامها في تطوير الأسلحة البيولوجية”. يشير عنوان هذه الاتفاقية ذاته إلى “تطوير الأسلحة البيولوجية”، وكذلك إلى منع نشر المعرفة عنها. كما تنصّ الاتفاقية صراحةً على أنه إذا اعترفت أوكرانيا بأن المعلومات سرية، فلا يمكن للولايات المتحدة نشرها. وأولئك الذين لديهم إمكانية الوصول إلى هذه المعلومات سوف يتصرفون في سياق العمل مع أسرار الدولة. إن حقيقة هذه السرية في ظل عدم وجود تقارير محدّدة والتواجد الفعلي خارج الحدود الإقليمية للمختبرات، والتي لا تخضع حتى لسيطرة الحكومة الأوكرانية، تجعل عملها أكثر في دائرة الشك.
منذ عام 2009، كتبت الصحف الأوكرانية وعدد من وسائل الإعلام الأخرى أكثر من اثني عشر مقالاً عن التهديد البيولوجي الأمريكي. من بينها، على وجه الخصوص، الاحتجاجات التي جرت في بلدة صغيرة بالقرب من خاركوف، في مريفا، حيث كانوا في طريقهم لبناء مبنى مختبر في المعهد البيطري، والذي تمّ الانتهاء منه أخيراً في عام 2015 وأطلق عليه اسم “معمل الموت بالقرب من خاركوف”. وانضمت الدول المجاورة إلى طلب التحقيق في المختبرات الحيوية الأمريكية في أوكرانيا، وهي التي تدرك جيداً مخاطر هذه المرافق بالنسبة لها أيضاً.
وقد اندلعت فضيحة أخرى مع المختبرات الحيوية الأمريكية السرية في أوكرانيا في نيسان 2020 بعد أن خاطب فيكتور ميدفيدشوك، زعيم حزب “فور لايف” الأوكراني المعارض، علناً رئيس ومسؤولي وزارة الصحة وجهاز الأمن الأوكراني ورئيس الوزراء، أن “15 مختبراً بيولوجياً عسكرياً تعمل في أوكرانيا”، وطالب بمحاسبة أولئك الذين منحوا الإذن بالعمل للمختبرات الأجنبية التي تجري تجارب لإنتاج أسلحة بيولوجية، ولاسيما على المواطنين الأوكرانيين.
كما انضمت العديد من وسائل الإعلام الأوكرانية إلى المطالبة بإجراء تحقيق موضوعي وإغلاق المعامل الحيوية الأمريكية في أوكرانيا. لكن رداً على ذلك، بدأت السلطات في كييف، بناءً على أوامر صريحة من واشنطن، بمنع توزيع هذه المقالات ومنع نشرها حتى على شبكة وسائل التواصل الاجتماعي، علماً أن هذه المنشورات في وسائل الإعلام المختلفة قد أنشأت رابطاً بين أنشطة المختبرات وظهور أمراض غامضة في مناطق معينة من أوكرانيا، على وجه الخصوص، فيروس يسبّب الالتهاب الرئوي النزفي، الذي حدث في ترنوبل في عام 2009، وكذلك وباء الكوليرا في عام 2011. وفي كانون الثاني 2016، توفي 20 جندياً بسبب فيروس شبيه بالإنفلونزا في خاركوف، وتمّ نقل أكثر من 200 إلى المستشفى. في عام 2017، انتشر وباء التسمّم الغذائي في كييف وخرسون، حيث مات الناس بسبب نقص الأمصال، بينما ادّعت المختبرات الحيوية الأمريكية العاملة هناك أنها مسؤولة بشكل مباشر عن مكافحة مثل هذه الأوبئة. وفي عام 2012، أصيب آلاف الأوكرانيين “فجأة” بالحصبة وعاد المرض. في أيلول 2016 انتشرت عدوى معوية غير معروفة في منطقة أوديسا، والتي أثرت بشكل خاص على الأطفال.
في ظل هذه الظروف، إذا لم يتمّ الإعلان عن المختبرات البيولوجية الأمريكية، أو إذا لم تغلق تحت ضغط الرأي العام، وفي سياق إهمال الولايات المتحدة في هذه القضية، فسيواجه العالم بلا شك التخلي عن اتفاقية الأسلحة البيولوجية لعام 1972. فهل العالم، الذي دفع بالفعل ثمناً باهظاً لوباء كورونا الذي انطلق من المختبرات البيولوجية السرية، بحاجة فعلاً إلى هذا الأمر؟.