مجلس الإبداع الحلبي
غالية خوجة
كيف يتراءى الشعر و الوجدان في عصر التكنولوجيا؟ وهل ما زالت نبضات القصيدة تنسج الحب بفنيات جديدة؟ ومادور الشعر والفنون والمعرفة في بناء الذات والمجتمع؟ وكيف نتسارع لنسابق أنفسنا ثقافياً وإعماراً حضارياً؟
منذ القصيدة العربية الأولى المجهولة، بكل تأكيد، حتى الآن، وما تلاها من قصائد ومعلقات، وما أتى بعدها من شعر تقليدي وكلاسيكي وحداثي وما بعد الحداثي، ونحن نبحث عن إدهاشات جمالية تناغم بين الثيمتين الموضوعية والفنية، فنكتشفها في قصائد ثلّة من الشعراء الذين ماتوا ومازالوا يبحثون عنها، لكنهم تمايزوا ببصمة روحية تشير إليهم. لكن، لماذا حلب الشهباء تنجب الموسيقا لا الشعراء؟
حلب بطابعها الاستراتيجي الاقتصادي والتجاري والطربي، أقلّ ولادة للشعراء، رغم عهدها بالعديد من العصور المضيئة علمياً ومعرفياً وموسيقياً ورياضياً وثقافياً وفلكياً.
تتسلسل الأسئلة في هذا المضمار المفتوح للمبارزة العريقة، ومنها: كيف نكتشف الشعراء في أزمنتنا الغبراء؟ وما كيفية تسريع المسرعات الإبداعية في عملية البناء؟ وهل تحتاج حلب إلى مجلس حكومي لتبدع، نسميه: “مجلس الإبداع الحلبي”؟
لنفترض أنه مجلس المحافظة، أو مديرية الثقافة، أو اتحاد الكتّاب العرب، أو المسرح القومي، أو نقابة الفنانين، أو دار الكتب الوطنية، أو التربية والتعليم، أو الجامعة، أو الشبيبة، أو الأوقاف، أو غرفة تجارة وصناعة حلب، أو اتحاد التشكيليين.
لذلك، أقترح أن يكون هناك “مجلس إبداع حلبي” ناتج عن تعاون جميع الجهات الممكنة،يتمتع بنشاط دوري، وليكن شهرياً مثلاً، وأن يكون مفتوحاً للإنتاج الإبداعي الثقافي والفني، يقام بالتعاون والتناوب بين الجهات المعنية لتحريك هذا الفضاء في زمن البناء.
ولأن الإبداع والثقافة والمعرفة والعلوم والفنون مثل الموسيقا والمسرح والسينما من الجميع وللجميع، فإنه من الممكن أن تقام فعاليات هذا المجلس في الأماكن العامة والهواء الطلق والمواقع الأثرية، من أجل تحقيق هدفه الثقافي الفني الاجتماعي باستقطاب كافة فئات المجتمع، ومن ثمة، من أجل اكتشاف المواهب بين أفراد المجتمع، ولدينا الكثير من الأمثلة المكانية، تمثيلاً: ساحة سعد الله الجابري، الحديقة العامة، قلعة حلب، ساحة الجامعة، النوادي الرياضية، وطبعاً، مع مراعاة التباعد المكاني والوعي الصحي، وآداب التجمعات والإصغاء والتلقي والحوار.
هذه الفعاليات الثقافية المعرفية العلمية الشعرية المسرحية القصصية الضرورية مثل الماء والخبز والهواء، من الممكن أن ترافقها في حضورها الحي والمباشر الموسيقا عزفاً وغناء ومعارض للكتب، ومعارض للفن التشكيلي، والرسم الحي للمخضرمين والموهوبين، وهي من الجميع وللجميع.
ومن الممكن أن تكون هناك مسابقة ثقافية وفنية وإبداعية للحضور مع جوائز للفائزين، وألعاب ثقافية وإبداعية للأطفال واليافعين مع جوائز للفائزين، على أن يُنشأ صندوق تمويلي خاص لهذا الغرض تساهم فيه الجهات المقتدرة، وأن يكون له حساب بنكيّ خاص ولجنة مؤتمنة منعاً للفساد، وأن يساهم مخاتير الأحياء في نشر هذه الإجراءات الثقافية الفنية ضمن اختصاصهم، ممّا يسرّع ويسارع في عملية بناء الإنسان والمجتمع وما يرافقها من عملية إعادة البناء والإعمار زماناً ومكاناً ووعياً ذاتياً ومجتمعياً.
وفي حال نجاح هذا المجلس، من الممكن أن تعممه المحافظات السورية الأخرى، ثم، من الممكن أن يكون هناك “مجلس الإبداع السوري”، الناتج عن مجالس الإبداع المحلية في كل محافظة، ليكون أقرب إلى الناس ومعهم، لأنه بذلك ينجز مهمته في إيصال رسالته الوطنية الثقافية المعرفية، ويكون مجالاً لمزيد من التنافس الإيجابي للوعي وقيادة الإنسان لذاته، والقيام بدوره تجاه نفسه، وأسرته، والمجتمع، والوطن.
ترى، ما رأيكم، قراءنا الأعزاء، بهذا المجلس وإمكانية تحقيقه وأهدافه، وأنتم محوره الأساسي؟.