ثقافةصحيفة البعث

محمد طرابلسي: ما زال الرقص فناً غير محبب في مجتمعاتنا

يؤسف الفنان محمد طرابلسي كراقص ومصمم رقص حاصل على شهادة أفضل تصميم لعمل راقص في مهرجان الرقص المعاصر في الجزائر أن الساحة الفنية تفتقد لوجود فرق كلاسيكية في الرقص، حيث بيَّن في حواره مع “البعث” أن غالبية طلاب قسم الرقص في المعهد العالي للفنون المسرحية تميل للرقص المعاصر لصعوبة الرقص الكلاسيكي والذي هو أساس كل راقص، ولا ينكر وجود موهوبين حقيقيين في الرقص في المعهد على الرغم من أنه يفتقد لوجود منهاج حقيقي، حيث يرتبط دوماً ما يقدم للطالب فيه بالمدرسين وأساليبهم.

كأحد الخريجين الأوائل في المعهد العالي للفنون المسرحية–قسم الباليه ماذا تحدثنا عن المراحل التي مر بها هذا القسم؟

يسعدني أنني خريج الدفعة الأولى من المعهد العالي للفنون المسرحية- قسم الباليه الذي تأسس على يد الراحل صلحي الوادي بالتعاون مع السيدة هبة بيروتي وبإشراف الخبيرة الروسية لاريسا يورميدلوقا والآنسة ماريا التي كانت مدرّسة باليه وعازفة بيانو فيه، وقد كان قسم الباليه تابعاً للمعهد الموسيقي وكان يستقطب طلاب مدرسة الباليه وكانت الدراسة فيه خمس سنوات ثم وبعد أن أصبح تابعاً لمعهد الفنون المسرحية صارت الدراسة فيه أربع سنوات وحمل اسم قسم الرقص التعبيري وكان القسم في البدايات يهتم بالدرجة الأولى برقص باليه، وأذكر أنني قدمت ستة أعمال باليه في هذا القسم خلال فترة الدراسة، وهذه ميزة لم تتح إلا للدفعات الأولى فيه حيث كان الاهتمام كبيراً بالباليه.. وفيما بعد أصبح القسم يهتم بباقي أنواع الرقص، وأصبح يقبل طلاباً ليسوا من خريجي مدرسة الباليه بعد أن تحول إلى قسم الرقص التعبيري، ولا أخفي أنه ونتيجة مرور عدة رؤساء أقسام غير مختصين على القسم أصابه الخلل في بعض النواحي، وبالحصيلة النهائية لوجوده لا بد من الـتأكيد على أنه خرِّج راقصين موهوبين ومبدعين، يرقصون اليوم في فرق مهمة جداً في العالم، مع الإشارة إلى أن قسم الرقص ما زال يضم عدداً قليلاً من الطلاب لأن الواقع الاجتماعي في مجتمعنا ما زال يرفض هذه المهنة.

بين الشغف والهواية والدراسة الأكاديمية إلى ماذا توعز تميزك كراقص؟

إلى الموهبة بالدرجة الأولى التي بنيتها بالتدريب الشاق والمتواصل وصقلتها بالدراسة الأكاديمية، ومن ثم ترجمتها من خلال العروض التي قدمتها على خشبات المسارح، وما زلت أذكر ما كان يردده الخبراء الروس علينا من أن الراقص مهما تعلم فإن لم يعتلِ الخشبة فسيظل تعلمه ناقصاً لأن العرض الراقص على الخشبة يوازي في فائدته عشرة عروض والراقص أثناء العرض سوف يتعامل مع عدة عناصر لن تكون موجودة إلا في العروض الحية وهي الإضاءة والجمهور وردة فعله.

كمدرس لمادة الفنون الشعبية في القسم ما أهمية وضرورة تدريس هذا النوع من الرقص برأيك؟

هناك مَثل يقول: “من لا قديم له لا جديد له” ونحن أمة وُجِدَت منذ آلاف السنين، ومن أولى الأمم التي بنت الحضارات التي بدورها مرّت بمراحل ازدهار وكمون، وقد تنوعت هذه الحضارات بين المدينة والريف والبادية، وهذا التنوع والغنى أعطى ألواناً رائعة للحالة الفنية المتوارثة في كل المجالات، خاصة الرقص الذي وصل إلينا مشبعاً بالحكايات والعادات والتقاليد الموروثة التي كلما تعمقنا بالبحث عنها أو فيها زادت معرفتنا بأصالة هذه الحضارات وشعوبها، وأنا كمدرس لمادة الرقص الشعبي كان من واجبي أن أجعل الطلاب يهتمون بهذه المادة بطريقة صحيحة لينجحوا في المستقبل في أن يقدموا أعمالاً تليقُ بهم كخريجين أكاديميين.

هناك العديد من الفرق الشعبية التي تقدم الفلكلور،فكيف تتعامل هذه الفرق مع هذا النوع من الرقص؟

بما أنه لا يوجد مركز أبحاث للفلكلور الخاص بالرقص الشعبي لدينا فمعظم هذه الفرق تقدم الفلكلور حسب رؤية القائمين عليها-معظمهم غير مختصين بالرقص-وغالبيتهم يقدمونه بشكل حديث، وهذا أمر خطير لأنه سيؤثر على التجارب اللاحقة التي سيقدمها راقصو هذه الفرق حينما يؤسسون فرقهم الخاصة متبعين الطريقة ذاتها التي تعلموها فيستمرون في تقديم أعمال مشوهة تحت مسمى أعمال فلكلورية محدثة، وكونه لا يوجد من يُراقب ويُحاسب هكذا أعمال فهي سوف تستمر وسوف يستمر التشويه، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود بعض العروض الجيدة إلا أنها قليلة جداً.

ما هي حدود الاجتهاد في هذا النوع من الرقص؟

التعامل مع الفلكلور يجب أن يكون نابعاً من ثقافة واسعة ومبنياً على فكرة ضرورة الحفاظ عليه بعيداً عن التشوية من خلال التأكيد على الموضوعات التي يتناولها ومحاولة تقديمها بأسلوب جديد دون المسّ بروحها، لذلك فإن الاجتهاد مبرر على صعيد التكنيك فقط، مع الأخذ بعين الاعتبار أن لا حركات مجانية في الرقص، فكل خطوة  يجب أن يكون لها دلالة معينة، وما عدا ذلك يُعتبر اعتداء على الهوية التي يحملها.

عملتَ كراقص في فرقة إنانا التي حققت شهرة واسعة فأي أسباب وراء هذا النجاح برأيك؟

لا أحد ينكر أن فرقة إنانا بما كانت تقدمه من عروض راقية قد غيرت مفهوم الرقص عند الناس حين نجحت في تقديم عروض بسويات فنية عالية حققت المتعة البصرية والحركية نتيجة توافر كل عناصر الرقص من حيث الاهتمام بالفكرة والنص والموسيقا وتصميم الرقص والتصميم الدرامي والسينوغرافيا والإخراج، وبالتالي فإن توفر هذه العناصر يعطي نتيجة جيدة في حال وُجِد من يتبنى فكرة العمل، مع التأكيد على ضرورة وجود راقصين مؤمنين بالرقص والعمل الراقص لأنهم سبب أساس من أسباب النجاح الذي تحققه أي فرقة.

لك تجربة متميزة مع ذوي الاحتياجات الخاصة فأي خصوصية لها؟

التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة هو عالم قائم بحد ذاته، ولا يمكن معرفته ما لم يتم الدخول إليه ومعايشته بأدق تفاصيله.. إن الصم والبكم يتحركون مع الموسيقا، مع العلم أنهم لا يسمعونها، والتفسير هو أنهم يتميزون بدقة ملاحظة بصرية عالية تترجم بشكل سريع جداً إلى رقص، كذلك المكفوف لديه حس عال بالخطوات، فهو يستطيع أن يمشي على المسرح ويقف في نفس المكان المطلوب، ويؤدي ما يُطلَب منه دون أن يرى، وهذه التجارب موجودة، والكلام عنها ليس مجرد تنظير، فهي تجارب متعبة وممتعةفي الوقت ذاته.

هناك الكثير من العروض التي تقدم تحت مسمى المسرح الراقص،فأي مقومات يجب أن تتوفر في هذا النوع من المسرح برأيك؟

هي تجارب بعضها يحقق النجاح وبعضها يبقى مجرد تنويعات راقصة وليست عرضاً مسرحياً راقصاً يجب أن تتوفر فيه كل العناصر من نص وموسيقا وتصميم رقص وتصميم درامي وسينوغرافيا وإخراج فإن توفرت وتكاملت هذه العناصر بانسجام تام يمكن أن نطلق على ما يُقدم “مسرح راقص”.

كونك رئيس قسم الفنون الشعبية في مديرية الأنشطة الفنية في وزارة التربية ماذا تحدثنا عن أهمية هذا القسم؟

ما زال الرقص فناً غير محبب في مجتمعاتنا، ومن خلال تجربتي في مديرية المسرح المدرسي والأنشطة الفنية في وزارة التربية لمستُ ذلك من خلال عدم الاهتمام من قِبل الإدارات السابقة التي تأخرت في إضافة كلمة الرقص التعبيري إلى الفنون الشعبية، وقد استغرق فعل ذلك سنوات، وما زال هذا الأمر غير مقبول من قبل بعض الأشخاص، وضمن هذا الواقع  يستقطب المسرح المدرسي الطلاب الذين يحبون العمل في المسرح بكل اختصاصاته، ومنها الرقص، وكثيراً ما شاهدنا طلاباً موهوبين جداً أدّوا رقصات رائعة بعد تدريبهم وحصلوا على جوائز في مسابقات شاركوا فيها.

على الرغم من وجود مدرسة الباليه التابعة لوزارة الثقافة وقسم الرقص في المعهد العالي إلا أننا ما زلنا نفتقد لوجود فرقة باليه محترفة.

غالبية فرق الباليه في العالم تابعة لجهات حكومية لأنها فرق بحاجة لإمكانيات كبيرة، وقد تشكلت فرق في سنوات ماضية إلا أنها لم تستمر، واقتصر نشاطها على حفل ليس إلا، أما القطاع الخاص فلا يميل لهذه النوعية من الفرق، خاصة أن جمهورها مازال محدوداً نوعاً ما ولا يشجع على تشكيل هذه الفرق.

وماذا تحدثنا عن فرقتك” ميرال”؟

لابد من الاعتراف أن تأسيس فرقة مسرح راقص هو أمر صعب جداً لأنه بحاجة إلى توفر عوامل لوجستية وفنية كمكان للتدريب وراقصين موهوبين ومدربين يتماشون مع الفكر الموجود لدى مؤسس الفرقة، وحين توافر لديّ الحد الأدنى من هذه الأمور أسست فرقة “ميرال” منذ أربع سنوات ودعوت الأستاذ جمال تركماني للعمل معي لشغفه الكبير بالرقص ولكونه صاحب خبرة جيدة في أمور التدريب والتصميم وإخراج العروض الراقصة واستطعنا من خلال هذه الفرقة تقديم عدة أعمال، منها “حكاية الرسالة، الأيقونة السورية وطن، حساسية عالية، أجزاء و”تواصل” التي حصلت على جائزة أفضل عرض في مهرجان الرقص في الجزائر عام 2019 وحالياً نحضر لعمل جديد بعنوان “حلم ليلة الميلاد”.

بطاقة

محمد طرابلسي مدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية-قسم الرقص- لمواد”كلاسيك، جاز، رقص شعوب، تاريخ الباليه، الفون الشعبية “مؤسس ومدير فرقة ميرال للمسرح الراقص، من مؤسسي فرقة إنانا للمسرح الراقص، شارك في ورشات عمل بمدرسة بكين للرقص المسرحي –مسرح افينيون في فرنسا وغيرهما، صمم العديد من الأعمال الراقصة منها: ديزني للأطفال 2006-بولس الرسول 2008-الأيقونة السورية “وطن”- حكاية الرسالة – الدم حبر الحق 2016-النصر ساعة صبر 2017.

أمينة عباس