شروط الاستحقاق الوطني الديمقراطي
د. عبد اللطيف عمران
نعم سورية دولة مؤسسات وطنية ديمقراطية كانت وستبقى، مع أننا لا ننكر مدى الضرر الذي نجم عن استهداف هذه المؤسسات وغيرها من مؤسسات الدولة والمجتمع في زمن الحرب الطويلة والقاسية زمن نحن أحوج ما نكون فيه إلى من يرسّخ استقلالية قرار سورية ويعزز سيادتها.
نحن أمام حرب وعدوان على المعمل والمزرعة، على الجسر والطريق، على المدرسة والمشفى، على الثكنة والمخفر، على الخبز والليرة، على الكهرباء والمياه والهواء، عدا عن الحرائق واللصوصية. على مجمل البنى التحتية والفوقية أيضاً.
في هذه الحرب التي ستكتب دماء الشهداء البررة، وجراح الأبطال سطور أسفار المجد فيها، تتقدم الحاجة إلى حكمة الأبطال وشجاعتهم ليقودوا، وليعزّزوا مسيرة التضحية والصمود والانتصار، واجتراح المعجزات اللازمة لنجاح عملية البناء والإعمار التي لا شك ستكون شاقّة، حاجة شرعيّة ومشروعة إلى قامة شامخة عركتها الأيام، وخبِرت بحدسها وبوعيها وبأصالتها سبُل الدفاع عن السيادة والحقوق، عن وحدة الأرض والشعب والمصير، عن الوطن والوطنية، عن الدستور والقانون والحاضر والمستقبل… لتكون القاسم المشترك الأعظم للتمسك بقضايا الوطن ومصالح الشعب. ولتعبّر عن الأمل بالعمل، وعن العمل بالأمل.
في زمن الحرب القاسية الطويلة هذه، ومن أيامها الأولى احتكمت القيادة السياسية الوطنية إلى العقل والضمير والأخلاق، إلى الحوار الوطني، إلى مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل، إلى تنفيذ الاستحقاقات الدستورية الوطنية الديموقراطية في مواعيدها وبشروطها أيضاً.. مع مواصلة الحرب على الإرهاب والتطرف والتكفير، فكان دستور عام 2012، وانتخابات مجلس الشعب، وانتخابات رئاسة الجمهورية السابقة والقادمة… إلخ، وقد توافرت في هذه الاستحقاقات شروط شرعيّتها ومشروعيّتها، ومن بعض هذه الشروط التالي:
1- التمسّك بمفهوم السيادة وفق القانون الدولي، ومختلف قرارات مجلس الأمن، ومواد الدستور، فالجمهورية العربية السورية كانت ولاتزال وستبقى دولة ذات سيادة في زمن السلم أو الحرب، ولا تنازل عن هذا المفهوم ولا تفريط به مهما تصاعدت التحديات والافتراءات، والضغوط أيضاً.
2- التمسّك بمفهوم الوطنية من حقوق المواطن وواجباته إلى مصالح الوطن والذود عنه، فالوطنية ليست سلعة ولا هبة، إنها خيار وفعل واختبار، وفي زمن الحرب كانت الوطنية امتحاناً حاضراً وساطعاً بقوة ووضوح في أي استحقاق دستوري، وفي أي وجه من أوجه الحياة العامة والخاصة أيضاً، فكان غير قليل عدد من فشل في هذا الامتحان ولأسباب.
3- احترام الدستور، فالدستور في الأساس هو نتاج استحقاق وطني ديمقراطي جاء تلبية لمصالح الشعب وقضايا الوطن، وأي خرق لبند من بنوده يغدو عملاً غير وطني.
4- التقيد بمواعيد الاستحقاقات، وهذا الشرط لا يعكس فقط الجانب الأخلاقي، أو القانوني، بل جوانب قوة المجتمع والدولة.
وهناك عدد من الشروط الرديفة في هذا السياق، مما يعبّر عن أن الشروط التي توافرت في الاستحقاقات الدستورية السابقة، وفي التحضير لانتخابات الرئاسة القادمة تجعل منها وطنية ديمقراطية بكل ما في معنى الكلمة من احترام والتزام أيضاً.
ومع توافر هكذا شروط يغدو -مثلاً- البيان الأخير لاجتماع وزراء خارجية الدول الصناعية السبع المشكك في الانتخابات بلا معنى وبلا قيمة من جهة، وتحصيل الحاصل من جهة أخرى، فإذا لم يرضَ أعداؤك -أعداء الأمس واليوم- عن فعلك فأنت على صواب، وهم في هكذا بيان يتأسّون على أنفسهم وعلى عملائهم، على خططهم وأهدافهم .
إنه لمن الطبيعي أن نسمع ما يخالف هذه الرؤية، فنحن ندفع عن وطننا وعن أنفسنا شرَّ عدوان، ونواجه أسوأ استهداف عرفه تاريخ الحروب، والحرب تلك لم تنتهِ بعد، ولم تهدأ قبل الانتخابات، وقد لا تهدأ بعدها على نحو ما لا نزال نسمعه ونراه من تحشيد مضاد من عديد الخصوم الذي بدأ يضمحلّ ويتلاشى ويضعُف أثره محلياً وإقليمياً ودولياً كنتيجة لاستمرار قدرتنا على الصمود والمواجهة والبناء أيضاً.
وها هي الانتخابات تمضي دستورياً وتشريعياً، ديمقراطياً ووطنياً، ترشيحاً ومشاركة، حملات انتخابية… تمضي بقوة وأمل وثقة نحو أفق واعد يتنافس فيها بوطنية وديمقراطية وكبرياء مرشحون ثلاثة في ظلال وارفة لحالة شعبية وطنية مفعمة بالحب والأمل، بالوعي والثقة، وبما يؤدي إلى نتيجة تليق هذه الأوصاف بها.
إننا فخورون وواثقون بهذا الاستحقاق، وبما سينجم عنه من أمل وعمل مع القائد بشار الأسد.