مجلة البعث الأسبوعية

الانتخابات الرئاسية السورية

د خلف المفتاح

كان من اهداف الحرب على سورية إسقاط نظامها السياسي وهيكلها القانوني والدستوري المتمثل بمؤسساتها الوطنية، سواء موقع الرئاسة أو البرلمان أو المجالس المنتخبة الأخرى، ونسف كل مظهر سيادي وطني، ما يعني سقوط الدولة السورية بوصفها دولة ذات سيادة وعضواً في الأمم المتحدة ومنظمات إقليمية أخرى. ولعلنا نتذكر كيف دأب بعض الأنظمة العربية وبتنسيق وتوجيه أميركي على إفقاد سورية عضويتها في الجامعة العربية وبشكل غير ميثاقي كخطوة باتجاه السطو على مقعدها في الأمم المتحدة ومنحه لقوى المعارضة آنذاك. ومع نجاح السيناريو الأول بفعل النفوذ القطري والخليجي على جامعة الدول العربية وأمينها العام إلا أن السيناريو الأخطر لم ينجح وحافظت سورية على عضويتها ومقعدها في الأمم المتحدة وبدأت الماكينة الإعلامية المعادية بالتحريض على النظام السياسي في سورية مع تمرحل بخطاب يتعلق بفقدان النظام السياسي لشرعيته وتآكلها من خلال التجييش الذي قامت به قوى نافذة في الغرب بحكم السطوة الإعلامية على الرأي العام العالمي الغربي كونه أسير الرواية السياسية التي تتبناها وسائل الإعلام تلك مع غياب شبه كامل لوجهة النظر الأخرى .

بالعودة لبداية الأحداث، نرى أن الحرب التي شنت على سورية قد ركزت على عنوان أساسي هو عدم شرعية النظام السياسي أو أنه فاقد للشرعية من خلال التركيز على الحراك الذي حصل في بعض المناطق وتضخيمه إعلاميا ومحاولة تشكيل انطباع بأنه يشمل كل المناطق السورية وكل فئات المجتمع السوري. ومع الفشل في تحقيق ذلك بعد أن خرج ملايين السوريين في كل مناطق القطر أو أغلبها دعما للنظام السياسي وتأكيدا لقاعدته الشعبية الواسعة، الأمر الذي جعل القوى المتآمرة على سورية تلجأ للعنف والإرهاب واستهداف القوات المسلحة العربية السورية بهدف إسقاط النظام السياسي وعناصر قوة الدولة السورية المتمثلة بجيشها ومؤسساتها الوطنية، ولم تقف الأمور عند تلك الحدود فكان التدخل الخارجي عبر التركي والخليجي والأميركي سعيا لتحقيق الأهداف التي تمت الإشارة إليها .

ومع انشغال الدولة السورية بمواجهة تلك الحرب الشرسة والمركبة عليها، ونجاحها اللافت في مواجهتها عبر سياسة الاستيعاب والاحتواء والتحكم بالمناطق الاستراتيجية وحماية المدن الكبرى، والتي ترافقت أيضا بتفاعل إيجابي مع العديد من المطالب الشعبية المحقة من خلال الحوارات واللقاءات التي أجراها السيد الرئيس بشار الأسد مع وفود شعبية من كافة المحافظات السورية والعمل الصادق على تطوير الحياة السياسية والاقتصادية والحزبية، والذي كان قد بدأ أساسا منذ تولي سيادته السلطة عام 2000 إعمالا لخطاب التطوير والتحديث.. مع كل ذلك الانشغال الوطني، اعتقد دعاة الحرب على سورية أنها غير قادرة على اجراء وتنفيذ الاستحقاقات الدستورية المتمثلة بمجلس الشعب وموقع الرئاسة ليكون ذلك نقطة الضعف التي تنفذ منها للقول بعدم شرعية النظام ومؤسساته على قاعدة عدم إقامة انتخابات تمنحها الشرعية، ولكن خاب ظن أولئك الواهمون، فكان إصرار الدولة السورية على إجراء كافة الاستحقاقات في مواعيدها الدستورية والقانونية، على الرغم من ثقل تبعات ذلك على كل الصعد، انطلاقا من الثقة بأن النظام السياسي – بجناحيه الرئاسي والبرلماني – يحظى بشرعية واسعة وكافية وحاسمة، بل وتمنحه شرعية إضافية في ظل الاستهداف الممنهج والممول عالميا الذي يتعرض له .

وجريا على ذلك، وتنفيذا لذلك الخيار الوطني الشجاع، جرت الانتخابات الرئاسية التنافسية، ولأول مرة منذ عدة عقود، في حزيران 2014، وفاز بها السيد الرئيس بشارالأسد انتخابا، وليس استفتاء، وحصل على ما يزيد عن 87 بالمائة من أصوات الناخبين، وبمشاركة واسعة من من داخل القطر وخارجه على الرغم من كل أشكال المضايقات التي تعرض لها الناخبون السوريون في الخارج والمغترب، وشكلت تلك الانتخابات ونتائجها صدمة للقوى الخارجية التي اعتقدت أنها قادرة على تعطيل المسار القانوني والدستوري لدولة ذات سيادة وقرار وطني مستقل من خلال التشويش الإعلامي أو سياسة التشكيك بشرعية النظام ومؤسساته التي اعتمدتها منذ بداية الحرب على سورية، كما أعقب تلك الانتخابات بسنتين انتخابات مجلس الشعب السوري بموعدها الدستوري، ووفق الآلية التي حددها الدستور السوري النافذ من عام 2012 .

واستمرارا لذلك النهج المؤسساتي، جرت الانتخابات البرلمانية السورية عام 2020 بسلاسة وشفافية واضحة، ومع بداية عام 2021، وهو عام الاستحقاق الرئاسي، بدأت الأبواق ذاتها تعزف على ذات النغمة مع تسريب وتمهيد لأسماء مترشحة لموقع الرئاسة يعلمون جيدا أن لا نصيب لها، ولاحظ في ذلك لمخالفتها لشروط الترشح وفق الدستور النافذ؛ وتناغم ذلك مع حديث بضرورة إنجاز عمل اللجنة الدستورية، وعطف موضوع الانتخابات على تنفيذ القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن.. كل ذلك بهدف وضع العصي في عجلات المسار الدستوري والقانوني الذي اختطته وحسمته الدولة السورية بغض النظر عما تبديه تلك الأبواق من تصريحات وتهويمات وعصاب سياسي محموم تهجس به تلك القوى التي أدركت أنها ليست في حسابات السوريين أو دائرة اهتمام القيادة السياسية السورية التي اعتبرت أن القضايا المتعلقة بالمؤسسات الوطنية المنتخبة شأن داخلي سوري صرف .

إن الإعلان عن الانتخابات الرئاسية وفق الآلية الدستورية التي جرت، وتجري، في سياقها، يمثل انتصارا للدستور السوري الذي هو عقد اجتماعي وطني بقدر ما هي انتصار للإرادتين الوطنية والسياسية بمواجهة القوى الخارجية بكل مستوياتها وتعبيراتها وتجلياتها، إضافة الى أنها ستكون في خلاصاتها ونتائجها تفويضا للقيادة السياسية للاستمرار في خياراتها بمواجهة الحرب التي شنت على سورية، ما يعني أن سورية ما بعد الانتخابات ستكون أقوى على كافة الصعد السياسية والوطنية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى صعيد تحالفاتها الاستراتيجية وثوابتها الوطنية وقوة حضورها في المشهدين الاقليمي والدولي، ما سيدفع الكثير من الدول التي وقفت في صف العداء لسورية أن تعيد وتراجع حساباتها ومواقفها من الدولة السورية ونظامها السياسي والحدث السوري عموما، لأن في ذلك مصلحة للعرب خصوصا، والمنطقة والإقليم على وجه العموم، سواء على صعيد الأمن القومي العربي، أو الأمن الوطني لكل دولة من دول المنطقة، حيث أدرك الجميع أهمية ومركزية سورية في استقرار المنطقة وانتعاشها اقتصاديا واجتماعيا، وأن الزلزال السوري – إن حدث – ستكون ارتداداته على الجميع.