تولسي غابارد تفضح إحدى أكبر أكاذيب إدارة أوباما وتواجه كبار مسؤولي بايدن باعترافاتهم: احتلال مناطق النفط والغذاء في سورية يستهدف تحصيل نتائج سياسية
“البعث الأسبوعية” ــ ترجمة: علي اليوسف
في كل مرة لا تتوانى تولسي غابارد، عضو الكونغرس الديمقراطي السابقة، عن انتقاد زملائها لتجاهلهم الحرب القذرة والعقوبات الأمريكية المستمرة على سورية. تقول غابارد: “إنهم يتجاهلون القضية الأكبر، أي الحرب الأمريكية القذرة على سورية التي مكّنت “القاعدة و داعش”.
وفي لقاء مع موقع “ساوند كلاود” قبل أيام، رأت غابارد أن الإعلام الأمريكي يركز على القضايا الصغيرة لحرف الرأي العام، مثل تجاوز الرئيس بايدن الكونغرس عندما وجه ضربة صاروخية على مواقع عسكرية في سورية، وأكدت أن هذا الانتقاد ضيق وقصير النظر ويحرف الأنظار عن الفضيحة الأمريكية الكبرى في سورية التي بدأت في عهد إدارة أوباما، واستمرت في عهد ترامب، والمستمرة الآن في عهد بايدن أيضاً.
صحيح أن غابارد سعيدة باعتراض بعض زملائها السابقين في الكونغرس الذين يتحدثون علانية عن التدخل غير الدستوري في سورية، إلا أنها تطالبهم بكشف حقيقة القضية الأكبر، وهي حرب “تغيير النظام” التي تواصل الولايات المتحدة خوضها في سورية باستخدام إرهابيي “القاعدة” و”النصرة” و”هيئة تحرير الشام” كقوة برية بالوكالة لأمريكا، والتي تحتل الآن أجزاء من إدلب، حيث تواصل إدارة بايدن استخدام الجيش الأمريكي لاحتلال الجزيرة السورية بشكل غير قانوني من أجل “أخذ النفط” – العبارة المقتبسة من ترامب – منتهكاً القانون الدولي.
هي تريد منهم الإضاءة على أن الحصار والعقوبات القاسية التي تمارسها الولايات المتحدة على سورية من أشد أنواع الحصار والعقوبات في العصر الحديث، كون هذا النوع من العقوبات – قيصر الذي تم تمريره في الكونغرس في عام 2020 – يستهدف صراحة إعادة إعمار سورية؛ كما أنها تطالبهم بفضح الإعلام الأمريكي الذي ليس فيه ما يمكن قراءته عن معاناة السوريين من هذه العقوبات، بل كل ما يمكن قراءته هو العنجهية الأمريكية والتفاخر بانتهاك القوانين الدولية.
تقول غابارد، لنأخذ على سبيل المثال جيمس جيفري، المبعوث السابق للشرق الأوسط في عهد دونالد ترامب، فقد كتب مؤخراً مقالاً، في مجلة فورين أفيرز، تفاخر فيه بأن الولايات المتحدة “سحقت الاقتصاد السوري من خلال العقوبات”.. إنه لمن السادية التباهي بتحطيم اقتصاد أي بلد، ناهيك عن بلد دمرته 10 سنوات من الحرب.
وهنا مرة أخرى، تبدي تولسي غابارد استعدادها للاعتراف بأن الولايات المتحدة أنفقت مليارات الدولارات على حرب قذرة استمرت ما يقرب من العقد، وهو ما تم الكشف عنه في صحيفة نيويورك تايمز التي وصفت الحرب القذرة على سورية بأنها “واحدة من أكثر برامج العمل السرية تكلفة” في تاريخ وكالة المخابرات المركزية، فيما قالت صحيفة واشنطن بوست إن برنامج وكالة المخابرات المركزية لديه “ميزانية تقترب من مليار دولار في السنة”.
إن وقوف تولسي غابارد ضد الحرب على سورية، وانتقاداتها لها، جعلها منبوذة في واشنطن، لكن ذلك لم يثنيها عن متابعة دفاعها عن مبادئها، وقد أقر كبار المسؤولين الأمريكيين في بعض الحالات بحقيقة ما فعلته الولايات المتحدة في سورية. وما فعلته الولايات المتحدة في سورية، كما وصفته غابارد، اعترف به منذ البداية الأولى الرئيس جو بايدن نفسه، في عام 2014، حين قال:
“كانت مشكلتنا الكبرى هي حلفائنا. كان حلفاؤنا في المنطقة أكبر مشكلة لنا في سورية. الأتراك – وهم أصدقاء رائعون – ولدي علاقة رائعة مع أردوغان، السعوديون الإماراتيون.. إلخ، ماذا كانوا يفعلون؟ لقد كانوا مصممين للغاية على تغيير النظام، وبشكل أساسي، خلق فتنة طائفية.. ماذا فعلوا؟ لقد ضخوا مئات الملايين من الدولارات وعشرات.. آلاف الأطنان من الأسلحة لكل من سيقاتل ضد الأسد.. إلا أن الأشخاص الذين كانوا.. الذين تم إمدادهم هم “النصرة” و”القاعدة” والعناصر المتطرفة من الإرهابيين الآتين من مناطق أخرى من العالم”.
لاحقاً اعتذر جو بايدن عن الإدلاء بهذا البيان، ليس لأنه أخطأ في شيء، بل لأنه أغفل الدور الحاسم للولايات المتحدة في كل هذا، فالولايات المتحدة – إلى جانب شركائها السعوديين والقطريين والأتراك – كانت تنفق الأموال على الأسلحة وتسهل نقلها إلى سورية؛ لذا فإن خطأ بايدن الوحيد كان في الواقع إغفال الدور الرئيسي للولايات المتحدة. لكن بايدن اعتذر بالفعل عن هذا – ليس لأنه تجاهل الدور الأمريكي – ولكن لأن اعترافه بدور الحلفاء أغضبهم.
تقول غابارد: “صحيح أن بايدن اعترف بالحقيقة علناً، إلا أن هناك الكثير من المسؤولون الكبار اعترفوا بذلك على انفراد وفي الأروقة المغلقة، ومنهم جيك سوليفان، وهو الآن مستشار الأمن القومي لبايدن”. وفقاً لموقع ويكيليكس، هذا ما كتبه سوليفان إلى هيلاري كلينتون في عام 2012: “القاعدة في صفنا في سورية”. بمعنى أن “القاعدة” كانت إلى جانب الولايات المتحدة في سورية، أي أنها استفادت من دعم الولايات المتحدة، وهو ما أهلها للقتال إلى جانب الإرهابيين الآخرين الذين زودتهم الولايات المتحدة بالأسلحة والعتاد، ولاحقاً واحتلال أجزاء من الأراضي السورية في محافظة إدلب التي لا تزال تحتلها حتى اليوم.
وهناك مسؤول كبير آخر في إدارة بايدن يُدعى بريت ماكغورك، وهو الآن منسق مجلس الأمن القومي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا، اعترف، في عام 2017، بأن إدلب هي الآن أكبر ملاذ آمن للقاعدة منذ 11 أيلول، وفي أحد اللقاءات معه قال:
“انظروا، محافظة إدلب هي أكبر ملاذ آمن للقاعدة منذ 11 أيلول، وهي مرتبطة مباشرة بأيمن الظواهري.. هذه مشكلة كبيرة. لقد كانت مشكلة لبعض الوقت. لقد سلطنا الضوء – الأضواء الدولية – على “داعش”، ركزنا بشدة على “القاعدة” ومحافظة إدلب.. قادة القاعدة الذين يشقون طريقهم إلى محافظة إدلب غالباً لا يشقون طريقهم للخروج من هناك، لكن علينا طرح سؤال: لماذا وكيف يجد نائب أيمن الظواهري طريقه إلى محافظة إدلب؟ لماذا يحدث هذا؟ كيف وصلوا هناك؟ إنهم ليسوا مظليين، والنهج.. من الواضح أنني لن أتحدث عن أي شيء فعلته الحكومة الأمريكية في أجزاء معينة من سورية بشأن هذه المشكلة، ولكن نهج بعض شركائنا لإرسال عشرات الآلاف من الأطنان من الأسلحة والأسلحة.. قد لا يكون النظر في الاتجاه الآخر، مع قدوم هؤلاء المقاتلين الأجانب إلى سورية، هو النهج الأفضل، وقد استفادت القاعدة استفادة كاملة من ذلك. إدلب الآن ملاذ آمن للقاعدة على حدود تركيا”.
وبالمناسبة، ليست “القاعدة” وحدها هي التي استفادت من المساعدة الأمريكية، بل هناك أيضاً “داعش”، كما هو معترف به علناً. قال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة في عهد أوباما، للكونغرس، في العام 2014، إن حلفاء الولايات المتحدة قاموا بتمويل “داعش” بشكل مباشر، وتعرض للتوبيخ لاعترافه بذلك من قبل السناتور ليندسي غراهام..
“ليندسي غراهام: هل تعرف أي حليف عربي رئيسي يحتضن “داعش؟”.
مارتن ديمبسي: أعرف الحلفاء العرب الرئيسيين الذين يمولونهم”.
علاوة على وجود حلفاء “يمولون داعش مباشرة”، دعمت الولايات المتحدة ضمنياً “داعش” بطريقتها الخاصة أيضاً.. مسؤول آخر من إدارة بايدن، جون كيري، وهو الآن مبعوث بايدن للمناخ. عندما كان وزيراً للخارجية في عهد أوباما، قدم اعترافاً هائلاً مسجلاً سراً:
“جون كيري: إن الولايات المتحدة شاهدت “داعش” تقترب من دمشق. كانت الولايات المتحدة على استعداد للمخاطرة بقيام “داعش” بالسيطرة على دمشق، إذا كان ذلك من شأنه أن يعزز أهداف تغيير النظام، لكن تدخلت روسيا في الوقت الحاسم. إن سبب دخول روسيا هو أن “داعش” كانت تزداد قوة، وكانت “داعش” تهدد بإمكانية الذهاب إلى دمشق وما إلى ذلك، وهذا هو سبب دخول روسيا.. كنا نشاهد أن “داعش” تزداد قوة، واعتقدنا أن الأسد مهدد”.
إذن كل هذه الاعترافات لكبار مسؤولي بايدن تساعد في فضح واحدة من أكبر الأكاذيب التي افتعلتها إدارة أوباما. وهذا الخط الذي نسمعه كثيراً عن أوباما هو أنه لم يفعل ما يكفي في سورية، لم يتدخل بما فيه الكفاية، إنه عكس ذلك تماماً. وكما أوضح كل هؤلاء المسؤولين، تدخل أوباما بشكل مكثف في سورية من خلال برنامج سري وعملاق لوكالة المخابرات المركزية، وقد أدى ذلك إلى الفوضى التي لم تتعاف سورية منها حتى اليوم، وكان من المثير للسخرية أن الولايات المتحدة كانت على استعداد لاستخدام “القاعدة” و”داعش” لتحقيق أهدافها في تغيير النظام.
وهذا يقودنا إلى مسؤول آخر في إدارة بايدن يُدعى روب مالي، الذي خدم في عهد أوباما، وهو الآن مبعوث بايدن إلى إيران على أمل إحياء الاتفاق النووي – على الرغم من أن بايدن غير واضح في ذلك. قال روب مالي في مقابلة أجريت معه في العام 2018:
“روب مالي: على عكس الخط السائد القائل بأن أوباما لم يفعل ما يكفي في سورية، إلا أن الولايات المتحدة كانت في الواقع جزءاً من إشعال الحرب بدلاً من إيقافها.. بمجرد تزويد المعارضة المسلحة التي كان لها هدف واحد فقط، وهو الإطاحة بالنظام، أصبحنا جزءاً من حملة تغيير النظام، حتى لو أنكرنا ذلك. ومجرد أن نكون في “الفراش” مع السعوديين والقطريين والأتراك الذين كان لديهم هذا الهدف أيضاً، فهذا يعني أننا منخرطون في القتال. في الواقع، كما قلت، فاقمت أفعالهم وأفعالنا الموقف، وأدت إلى المزيد من القتلى”.
هذه هي الطريقة التي ساعدت بها الولايات المتحدة في تدمير سورية، كما روى بالكامل مسؤولو إدارة أوباما وبايدن. وكل ما انتقدته غابارد إلى حد كبير هو ما اعترف به هؤلاء المسؤولون. الفرق الرئيسي هو أنه بالنسبة للجزء الأكبر منها، لا يبدو أن أياً من هؤلاء المسؤولين يرى أي خطأ في تدمير بلد ما من خلال حرب بالوكالة، ثم فرض عقوبات قاتلة لمنعه من إعادة الإعمار.. الآن، يجدر التأكيد على أن ترامب نفذ هذه السياسة أيضاً، وفرض عقوبات قيصر التي تستهدف إعادة إعمار سورية، واعترف صراحة أن الولايات المتحدة ستبقى في سورية لسرقة نفطها.. والآن يواصل بايدن ذلك بإبقاء القوات الأمريكية في سورية. بل وهناك تقارير تفيد بأن بايدن قام بتحصين الاحتلال العسكري الأمريكي هناك، وأبقى على هذه العقوبات القاتلة. وفي هذا الصدد، أصدرت المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بالعقوبات، ألينا دوهان، بياناً وصفت فيه العقوبات الأمريكية على سورية بأنها غير شرعية، وقالت إنها تفرض معاناة هائلة على الشعب السوري. تقول غابارد:
“لن تجد لهذا البيان أي إشارة في وسائل الإعلام الأمريكية. حتى في المواقع العدائية مثل Intercept and Democracy Now!.. تم تجاهله تماماً!!”.
حتى الآن، لم يقل بايدن والبيت الأبيض الكثير عن سورية، لكن كل المؤشرات تدل على أنه لن يتراجع عن هذه الحرب التي بدأها أوباما، ويمكننا استخلاص ذلك من مسؤول آخر في إدارة بايدن، هي دانا سترول، التي تشغل الآن منصب نائب مساعد وزير دفاع بايدن للشرق الأوسط. وقد شغلت سترول سابقاً منصب الرئيس المشارك لما يسمى “مجموعة دراسة سورية”، والتي أنشأها الكونغرس. وعندما ناقشت سترول العقوبات المفروضة على سورية، وإعاقة إعادة الإعمار، والاحتلال العسكري الأمريكي، كانت صريحة جداً حول حقيقة أن كل هذه الأشياء هي “نفوذ” في السعي لتغيير النظام:
“دانا سترول: السبب الذي جعل “مجموعة دراسة سورية” تحدثت عن الحاجة إلى الاحتفاظ بالوجود العسكري الأمريكي في ذلك الثلث من سورية لم يكن يتعلق فقط بإكمال القتال ضد “داعش”.. كان الأمر يتعلق بالنفوذ الأوسع لذلك الثلث من سورية، وهو الجزء الغني بالموارد في سورية، والذي يوفر لنا نفوذاً للتأثير على مآلات الأوضاع السياسية في سورية”.
إذن، وعلى غرار ترامب، هناك مسؤول الآن من بايدن، يقول بصراحة إن الاحتلال العسكري الأمريكي لسورية – في المنطقة التي يوجد بها النفط – هو “نفوذ”، ويتم استخدامه لتحقيق أهداف سياسية أمريكية. ولا يقتصر الأمر على النفط الموجود في ذلك الشمال الشرقي من سورية.. ذلك الثلث هو أيضاً سلة غذاء سورية.
تقول غابارد: تلك هي حقيقة ما فعلته الولايات المتحدة بسورية، كما قال مسؤولو إدارة أوباما وبايدن الذين نفذوا هذه السياسة، لذلك إن صمت الكونغرس السابق والحالي عن كل الجرائم التي ارتكبت بحق الدولة السورية منذ 10 سنوات، بالإضافة إلى العقوبات التي تفرضها الدولة الأمريكية، هو الذي يمنع الشعب السوري من إعادة بناء بلده الذي دمرته الولايات المتحدة.