الفيزيولوجيا المرضية للفيتامينات
تؤدي الفيتامينات دوراً مهماً وأساسياً في حياة الإنسان وجميع الكائنات الحية، فهي ليست مجرد متممات غذائية ينحصر دورها في الحفاظ على صحة متوازنة وسليمة، بل إنها تعمل على المستوى الجزيئي للخلايا والنسج كأنزيمات تتوسط كثيراً من العمليات الفيزيولوجية والتفاعلات الكيميائية الحيوية التي من دونها لن تستمر الحياة، وسيؤدي نقصها إلى أمراض واضطرابات متعدّدة.
ويأتي كتاب “الفيزيولوجيا المرضية للفيتامينات” تأليف: د. سريتن بافلوفيش، ترجمة: د. نايل عمر الزعبي، كمرجع مهم وشامل، وهو نتاج عمل طويل قضاه المؤلف في كليات الطب نظراً لما لهذه المواد من أهمية في الحياة، والمعلومات التي يحتويها الكتاب مهمة للباحث المتخصّص مثلما هي مهمة للإنسان العادي على حدّ سواء. يعدّ الكتاب كتاباً أكاديمياً في كثير من تفاصيله، فهو موجّه بشكل رئيسي للكادر الطبي العامل في مجال الصحة بجميع فروعها، لكن يمكن لجميع الناس الاستفادة من المعلومات الموجودة فيه.
تسمية فيتامين
اشتمل الكتاب الصادر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب ضمن المشروع الوطني للترجمة على مدخل طرحت فيه القصة التاريخية لاكتشاف الفيتامينات، وقد اتبع المؤلف أسلوباً شائقاً بعرض الموضوعات، إذ ابتدأ الحديث عن كل صنف من الفيتامينات بقصة اكتشافه التاريخية، ثم خصائصه الفيزيائية والكيميائية ثم انتشاره في المملكتين النباتية والحيوانية ونسب وجوده في كل مادة واستقلابه في الجسم ثم دوره ووظائفه الحيوية، ومن ثم تحدث عن الاضطرابات الناتجة عن عوز وزيادة عن كل فيتامين، والأمراض الناتجة عن ذلك، واختتم بتحديد الحاجة اليومية من كل فيتامين لجسم الإنسان للقيام بوظائفه على الشكل الأمثل.
إن مشكلة الاستخدام اليومي للفيتامينات ليست حديثة العهد، ففي مراجع القرن الماضي هناك كمّ هائل من المعلومات حول استخدام الفيتامينات في التغذية البشرية، غير أن التطور المفاجئ في علم الفيتامينات بدأ في عام 1912 عندما اكتشف الباحث السلافي من أصل بولندي “كاسمير فونك” مادة في قشور الرز تمتلك خصائص عجائبية في معالجة التهاب الأعصاب المتعدّد بكميات قليلة جداً، سمّاها “فيتامين”، بهذه الطريقة أنجز “فونك” أسس علم جديد هو علم الفيتامينات الذي تطوّر إلى أبعاد لم يستطع حتى مؤسّسها أن يتصورها، وباكتشاف الفيتامينات توضحت القيمة العلاجية والوقائية في المعركة ضد مختلف الأمراض، وتطور علم الفيتامينات بشكل سريع جداً، كما تمّ اكتشاف المزيد من الفيتامينات وفك شيفرة بنيتها الكيميائية وإيجاد الطرائق لتركيبها وتصنيعها وتحديد استطباباتها والاحتياج اليومي منها للوقاية من نقصها وعوزها. وهي ترمز بالأحرف اللاتينية الكبيرة (A,E,C,K) غير أنه في بعض الحالات لأجل التمييز تضاف إلى بعض الفيتامينات أرقام إلى جانب الأحرف اللاتينية.
فيتامين B12
نشر العالم الهولندي في لندن نظريته عن الفيتامينات التي ارتكزت إلى معلومات تلك الفترة عن الأمراض المرتبطة بنقص التغذية، فقد افترض وجود أربع من تلك المواد في الأغذية الطبيعية والتي تمنع ظهور الأمراض مثل: البري بري، الإسقربوط والكساح، أسهم التطور اللاحق لعلم الفيتامينات في اكتشاف وتوضيح آليات عمل كثير من الفيتامينات غير المعروفة آنذاك، أحد تلك الفيتامينات هو فيتامين B12، الذي يعتبر اكتشافه عام 1948 وطريقة تأثيره وبنيته الكيميائية من أكبر إنجازات الطب الحديث، وكان يلزم مرور عشر سنوات لإيجاد البنية الكيميائية لهذا الفيتامين وخمسة وعشرين عاماً لاستخلاصه من الكبد.
إن تأمين كمية كافية من الفيتامينات الضرورية للجسم للقيام بوظائفه بشكل طبيعي يستلزم معرفة جيدة بانتشار وتوزع الفيتامينات في منتجات العالمين الحيواني والنباتي، ويستلزم أيضاً معرفة خصائصها الفيزيائية والكيميائية والفيزيولوجية ومعرفة أعراض اضطراباتها الاستقلابية سواء في حال النقص أو العوز. وعلى الرغم من أن موضوع الفيتامينات مطروق في مواضع متعدّدة في الدراسات الطبية إلا أن المعرفة حولها قليلة ومتواضعة ويمكن تحقيق تلك المعرفة من خلال المناهج التعليمية والكتيبات العديدة.
عُلا أحمد