الطوفان البشري.. الحقيقة المحضة
بسام هاشم
من تابع يوم أمس مشاهد الضرب والقذف بالحجارة وقطع الطرقات وتحطيم حافلات السوريين المتجهين إلى مبنى السفارة في بيروت، والاعتداء عليهم بالهراوات والسكاكين وهم في طريقهم للإدلاء بأصواتهم، يمكنه مقاربة نصف الحقيقة عن الطبيعة الإجرامية لأولئك الذين يتشدقون بالحريات تحت العباءة الإسرائيلية والأمريكية؛ ويمكنه أيضاً أن يتخيّل حجم الصمت والتواطؤ والإذعان الذي يصم حكومات ومسؤولين عرباً وأجانب ارتضوا لأنفسهم أن يكونوا شهود الزور حيال التضليل والتزوير المرتكب بحق الحقيقة الحيّة عن سورية، وفيها، منذ عشر سنوات، ولربما منذ خمسين عاماً؛ وأن يدرك فعلياً أن حرية الشعب العربي السوري، الأصيلة، لا المستعارة ولا المزيفة، هي التي تميت هؤلاء بغيظهم، وتضطّرهم للكشف عن حقيقتهم، أقزاماً يتطاولون على شعب شرفه الوطني ووفاءه أكبر كثيراً، وبما لا يقاس، من عبوديتهم.
لماذا يريدون منع السوريين من الانتخاب، حتى وهم خارج السلطة المباشرة للدولة السورية؟ ولماذا يخافون من السوريين حين يتقاطرون لممارسة حقهم الدستوري حتى ولو كانوا خارج “دائرة الرقابة الأمنية والاستخباراتية”، إن استخدمنا تعابيرهم؟ هل يخشون على “الديموقراطية” السورية، أم يخشون منها؟! وهل كانوا سيمنعون الانتخابات لو لم يكونوا واثقين ألفاً بالمئة أن المرشّح بشار حافظ الأسد يمتلك شعبية جارفة تتجاوز حدود الجغرافيا السورية إلى السوريين في المغترب، بل وعلى امتداد الساحة العربية، وإلى كل القوى الحية في العالم، التي وجدت في صمود سورية وشجاعة وصلابة الرئيس الأسد بارقة الأمل للخلاص من الهيمنة الأمريكية والأطلسية؟
فشل الإغراء، فلجؤوا إلى التخويف والترهيب، قبل أن يقرّروا، بكل صفاقة، حظر العملية الانتخابية.. هؤلاء يرفضون ديموقراطية تخالف توقّعاتهم وأهواءهم، ولا يفهمون من الحرية إلا إخضاع الآخرين لإرادتهم!! لقد أدركوا مسبقاً أن مجرد القبول سوف يحيل نعمة الانتخابات إلى نقمة تطيح بجبل الأكاذيب التي دفعوا من أجل الترويج لها أموالاً قارونية، وأن أي اختيار حر سوف يهيل التراب على حطام الأوهام التي ارتفعت طوال سنوات بهمة صحافة مأجورة ومهيمنة ومولغة في الدم.. لقد مورست كل تلك البروباغاندا التضليلية قسراً وبالإكراه بحق شعب ذنبه الفعلي أنه سيد.. وسيد.. وسيد، أينما حل، وأينما وجد، داخل وطنه أم في المغترب أم في الهجرة أم اللجوء، وأن ما يجري في سورية هذه الأيام من استحقاق انتخابي إنما هو الشعور العميق والصميمي بالانتصار بعد سنوات الجرح والألم والغربة، وأن سورية تقوم من تحت الرماد أشد قوة ومنعة وحيوية، وطناً جديراً بالاعتزاز والمفخرة، والانتماء له وسام شرف، والمزيد من الالتصاق السياسي والوطني بقائده، بشار الأسد، هو الرسالة التي ينبغي أن يستوعبها أعداء سورية هذا الوطن: لقد حافظ بشار الأسد على سورية ودافع عنها في مواجهة الإرهاب والتقسيم والمطامع الخارجية، بأعصاب فولاذية قل نظيرها، وها هي اليوم تحافظ عليه ابناً باراً، وقائداً تكتسح شعبيته كل الهرطقات السياسية والإعلامية الغربية، وتقدّم نفسها للعالم، وتتقدّم من خلفه، أسطورة لن تتكرّر إلا إذا وقفت في مواجهة ثمانين دولة متكالبة، وحلف أطلسي، وجوار متواطئ، ومرتزقة من مئة وأربعين بلداً، وحصار إجرامي برغيف الخبز ووقود التدفئة، وإلا إذا كنت بشار الأسد.
كانت انتخابات يوم أمس في السفارات والقنصليات السورية في الخارج معركة مفتوحة الخطوط والجبهات خاضها السوريون، عفوياً، ودون أي موجّه إلا بوصلة وطنيتهم وإخلاصهم لحقيقة مشاعرهم وإنسانيتهم، ضد التزوير والتضليل والكذب المزمن. لقد رفضوا إلا أن يكونوا أنفسهم، شجعاناً، أعزاء، غيورين وغير هيابين إزاء كل ما يتعلّق بالحرص على وطنهم.. لم يكن طوفان بيروت وغيرها من عواصم الشرق والغرب والشمال والجنوب، تلك ساعة حقيقة، كانت الحقيقة المحضة حين تجليها في ساعة حاسمة!!