التشكيلي محمد محفوض يعود إلى “حديث الروح”
يعود الفنان التشكيلي محمد محفوض إلى صالة صبحي شعيب للفنون بحمص ليستكمل ما بدأه في معرض “حديث الروح” الذي قدّمه العام الماضي من تجسيد لحالات مختلفة مرّت بها البلاد وتركت أثرها في نفوس الناس، حيث يجد محفوض فيها أنماطاً تعبيرية يجسّدها باللون والتقنيات الفنية الموائمة لكل حالة، فهو يضع عنواناً لكل لوحة يوضح الحالة التي يستطيع المشاهد قراءتها فيها.
ففي لوحة بعنوان “حال البلد” نراه يقسم اللوحة إلى أربع كتل لونية، منها الأصفر والأزرق والأحمر، بما يشبه خريطة التقسيمات الجيوسياسية والعسكرية المفروضة على البلاد هذه الأيام، لكن محفوض يدع السائل اللوني يسيل بحرية ليتداخل مع بعضه البعض بصورة تحاكي خطوط الدماء المنسكب في المساحات المفتوحة على الاحتمالات المختلفة.
كثيرة هي العناوين التي تحملها لوحات معرض محمد محفوض الثلاثين، حيث يعرّج على الطبيعة بتجلياتها الفصلية المتعدّدة، وإلى المرأة بحالاتها الوجودية التي تؤرق كينونتها النفسية والجسدية في أحيان كثيرة، وهناك الحرب وما تركته من أثر في الأمكنة والنفس البشرية وغيرها الكثير، يقدّمها وفق مذاهب فنية يغلب عليها التجريد إلى جانب شيء من التعبيرية والانطباعية، وأساليب تتوزع بين الأكرليك، والزيتي، إلى جانب الفحم والحبر الصيني، يتنقل فيها بين البساطة والتعقيد والاقتصاد والكثافة في اللون ميزتها البراعة في غياب وحضور اللون، حيث الموضوع التشكيلي يأخذ حقه من العناصر اللونية والخطوط التعبيرية الدلالية، فهو الفنان الشامل الذي يحرص على التجديد والإحاطة بأغلب الاتجاهات الفنية والموضوعات الإنسانية والأساليب التقنية، في اجتهاد مستمر لتطوير أدواته والارتقاء بها نحو امتلاك عناصر الدهشة والإبداع وامتلاك طاقة حيوية كبيرة وقدرة على خوض غمار إبداع اللوحة وفق مخطّط مسبق، وعلى استنفار الطاقات البنائية الخاصة بمادة الشكل التي تجعلها تستجيب للصورة التي ستحلّ فيها، وهذا ما بدا عليه في هذا المعرض بمواضيعه المتنوعة، حيث تحضر المرأة أيضاً ليس فقط ضمن تجلياتها الجمالية الشكلية، بل نراه يغوص عميقاً في حالاتها النفسية والانفعالية التي تمرّ بها حياتها اليومية، ضمن ثنائيات متناقضة بين الغموض والوضوح ودلالاتها التعبيرية في محاولة لولوج عالمها من جوانبه الإنسانية والاجتماعية والجمالية والميثولوجية، وأيضاً ضمن قراءة فلسفية عميقة. وكذلك التوظيف الجمالي للجسد ضمن مقاطع لا تخفي الحضور الأنثوي الأخاذ ضمن مفردات تتيح للفنان التميّز في وضع اللمسات التشكيلية التي تجعله متفرداً في قراءاته الانطباعية.
ومن جانب آخر تراه ينتقل إلى دلالة فصلية تتقاطع فيها الألوان النارية، كالأصفر والأحمر، للتعبير عن الوهج الصيفي وبعده التشكيلي الحيوي المشبع بالكثافة اللونية الموزعة بعناية غير مجانية على مساحة اللوحة، والخريف في لوحة “ذهب أيلول”.
وتحضر العين كحاسة انفعالية رمزية في معرض محفوض كتعبير عن مزاج عام مرّ به الشعب السوري خلال سنوات الحرب، حيث العين تدمع دماً يتجمع في بحيرة ماء زرقاء تشي باستمرارية الحياة وتجاوز كل الأزمات والمعاناة التي يمكن أن نصنع منها مستقبلاً أكثر جمالاً وغنى.
ويعدّ معرض محفوض الرابع بعد ثلاثة معارض فردية ومشاركات في معارض جماعية عديدة داخل سورية وخارجها، كان آخرها المعرض السنوي لفناني حمص، فالفنان محفوض من مواليد حمص، درس الفن التشكيلي في كلية الفنون الجميلة قبل أن يغترب في الإمارات العربية المتحدة للتدريس في مدارسها، ويعود حالياً إلى نشاطه الفني في المدينة التي شهدت بدايات تبلور موهبته الإبداعية.
آصف إبراهيم