الليبرالية الجديدة تتفجر في كولومبيا
تقرير إخباري
يبدو أن أمريكا اللاتينية محكوم عليها بألا تنعم بالسلام، فمنذ نهاية عملية الاستقلال في العقود الأولى من القرن التاسع عشر، شهدت مائتي عام من التعبئة والاحتجاجات والنضالات والتمردات في جمهوريات مبنية على أسس اقتصادية وسياسية من الإقصاء الاجتماعي، والفقر، والاستغلال في العمل، وتركيز الثروة والسلطة في أيدي الأقليات.
وفي العقود الأخيرة من القرن العشرين، انضمت تركات الماضي التي لم تُحل إلى مرحلة ظهور النيوليبرالية كنموذج لاقتصاد الدولة في جميع بلدان المنطقة. هناك ما يكفي من البيانات والدراسات والأبحاث التي تُظهر كيف كانت النيوليبرالية الجديدة في أمريكا اللاتينية كارثية لجهة أنه من المعروف أن اقتصادات السوق الحرة والمشاريع الخاصة، على الرغم من أنها جلبت التحديث الرأسمالي، فقد شكلت أكبر عملية تركيز للثروة في تاريخ المنطقة، بينما في القطب الآخر تدهورت الظروف المعيشية لدى الطبقات الاجتماعية الأخرى. وبالتالي، أدت النيوليبرالية إلى تفاقم الصراعات الاجتماعية، وغذت “ثقافة الامتياز” وأعاقت السلام.
وجاء ظهور فيروس كورونا ليكشف ضعف غالبية البلدان التي تسيطر عليها الحكومات المحافظة التي أعادت إنتاج الاقتصادات النيوليبرالية، والدول المنزوعة السلاح بسبب نقص الموارد الضرورية لمواجهة مشكلة صحية عالمية بهذا الحجم وبهذه الخطورة، لأنه تحت شعارات الدولة “انكماش” و “الانسحاب” انخفضت الاستثمارات في الطب والبنية التحتية والخدمات العامة.
في هذا الإطار التاريخي العام، كان الإصلاح الضريبي الذي أرادت كولومبيا فرضه في نهاية نيسان 2021، يهدف إلى جمع ما يقرب من 6،800 مليون دولار كموارد للدولة، ولكن عن طريق زيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 19٪ للمنتجات الأساسية والبنزين والكهرباء والغاز، بالإضافة إلى تمديد ضريبة الدخل للطبقات الوسطى والعمال.
كما أنه لم يكن هناك نقص في الإنفاق على الأسلحة والمعدات للقوات المسلحة والشرطة، في بلد استراتيجي بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة الأمنية والقارية، وهي التي أنشأت عدة قواعد عسكرية في هذه المنطقة. العنف التاريخي في كولومبيا، الذي يتميز بخصائص فريدة في أمريكا اللاتينية ، والذي يتسبب في اغتيال ناشط أو زعيم اجتماعي واحد على الأقل، بالإضافة إلى سلسلة انتهاكات لاتفاقيات السلام مع القوات المسلحة الثورية لكولومبيا (2016)، وإلى الليبرالية الجديدة التي تمّ الحفاظ عليها على مدى عقود، وسوء إدارة أزمة كورونا، أدى كل ذلك إلى زيادة الأرقام الهيكلية لانعدام المساواة: 14.2٪ بطالة، و47٪ عمالة ناقصة، و42.5٪ فقر و15.1٪ في فقر مدقع، في حين أن 54٪ من الأسر تعاني من انعدام الأمن الغذائي.
وبحسب مراقبين، ما يسمّى بالإصلاح الضريبي كان فقط الزناد، لأن الانفجار الاجتماعي الذي حدث على الفور في كولومبيا لم يكن نتيجة لظروف راهنة فحسب، بل نتج عن التراكم التاريخي للعنف والمعاناة الإنسانية والتخلي الاجتماعي وزعزعة استقرار الحياة وعدم استقرارها.
كان للطفرة الاجتماعية الأخيرة في كولومبيا السياق التاريخي نفسه للتعبئة الوطنية في تشرين الأول 2019 في الإكوادور: رفض النموذج النيوليبرالي، الذي تسبّب في الكثير من الضرر لحياة وعمل الشرائح الأوسع من السكان في كلا البلدين.
هيفاء علي