النمو الاقتصادي وتأثيره على توسيع القاعدة الإنتاجية
تُعتبر قضية تطوير الاقتصاد الوطني وتلبية احتياجات المجتمع ومُتطلبات السكان من أهم التحديات الحالية وأخطر التجارب المختلفة بغية الوصول إلى المستوى المنشود في عملية النمو الاقتصادي المطلوب، ومما لا شك فيه بأن ظاهرة النمو الاقتصادي من أهم و أبرز الظواهر ذات التأثير المميز على طبيعة الاقتصاد كون النمو الاقتصادي محصلة عدة عوامل تتضافر فيما بينها لتوسيع القاعدة الإنتاجية في المجتمع توسيعاً مستمراً على مر الزمن.
هناك خاصيتان متلازمتان للنمو ولا يجوز التفكير في واحدة منهما دون الأخرى، فالخاصية الأولى تعتمد على الاستهلاك المتزايد للسلع والخدمات على مر الزمن وهذا يظهر بوضوح في استهلاك كل أسرة ويتباين هذا الأمر بين الأسر المختلفة وفقاً لمستوى الدخل في كل منها بل حتى بالنسبة للأسرة الواحدة مع مرور الوقت، و تُعد هذه الخاصية في عملية النمو الاقتصادي إذن هي الزيادة المطردة للاستهلاك سواء في السلع المعمرة أو غير المعمرة أو حتى الخدمات، و أما بالنسبة للخاصية الثانية فتتجلى في زيادة إنتاج المجتمع عاماً بعد عام وعقداً بعد آخر وذلك عن طريق إيجاد وحدات إنتاجية جديدة أو التوسع في حجم الوحدات القائمة ويتحقق هذا بنجاح عن طريق زيادة حجم استثمارات المجتمع التي يتم تأمينها من مدخرات الأسر المجتمعية على مر الزمن وبطبيعة الحال يؤدي هذا التوسع إلى زيادة معدل الاستثمار و ارتفاع نسب الاستهلاك، وبعبارة أخرى فإن النمو الاقتصادي يحتوي على آلية ذاتية تسمح بالاستمرار فيه على مر الزمن ويُعد المحك الحقيقي لنجاح عملية النمو الاقتصادي هو مدى الزيادة المطردة لمستوى دخل الفرد الواحد في المتوسط، ومن الواجب الانتباه أيضاً إلى نقطة جوهرية وهي أن العلاقة بين الإنتاج والسكان علاقة ديناميكية دائرية فنمو حجم الإنتاج يتطلب بجد نمو حجم العمالة وهذا يؤدي بالضرورة لنمو حجم السكان الذي يؤدي بدوره إلى نمو نسب الاستهلاك واتساع مختلف الأسواق أمام الوحدات الإنتاجية.
لفهم طبيعة عوامل النمو الاقتصادي فمن الأفضل من خلال طرح نتائج مجمل الدراسات العديدة إلقاء نظرة على نتيجة تضافر عوامل أساسية سواء في المهارات المتطورة أو المعدات التقنية الحديثة و من أبرزها عدم إتمام التنمية الاقتصادية ما لم تتوافر الأعداد و النوعيات المميزة من نخبة رجال الأعمال القادرين على تحمل المخاطر اللازمة و الضرورية لإقامة المشروعات الإنتاجية وحُسن إدارتها لتغطية حاجات شرائح المستهلكين .
وتبين من خلال هذه العوامل أن التقدم العلمي والتكنولوجي والمعلوماتي يعتبر من أهم وأدق عناصر النمو الاقتصادي في العالم بأسره حيث يربط رجال الأعمال بين ما يظهر في الأسواق من معدات وتقنيات جديدة بما هو مطلوب في أسواق العمل من مهارات متطورة ومواكبة للتقدم .
وأوضحت هذه العوامل أن الكثير من الوحدات الإنتاجية الكبيرة أصبحت تُخصص موارد لا يُستهان بها لتطوير الأبحاث والمعارف الفنية والتقنية لإفراز اختراعات جديدة تُساهم في تعميق عملية التنمية الاقتصادية، إضافة إلى أن رأس المال المُصاحب لعملية النمو الاقتصادي حدث بطبيعته في صورتين: زيادة حجم المدخرات (كرأسمال نقدي) واستخدام المدخرات في عملية تمويل الإنشاءات و البنى التحتية اللازمة لعملية الإنتاج (كرأسمال عيني).
وفي هذا السياق يجدر التعريج ملياً على بعض العوامل الموضوعية التي تستطيع تعريفاً شرح أسباب نُمو بعض المجتمعات وتعثر بعضها الآخر حتى يتم الفهم بوضوح لطبيعة كل عنصر من العناصر الإنتاجية التي تُؤثر على النمو الاقتصادي المحلي إضافة إلى وجوب استيعاب ديناميكية عنصر العمل كماً و نوعاً و الذي يُتعارف على تسميته برأس المال البشري بشقيه المالي و العيني من قبل خبراء الاقتصاد ومع ملاحظة أن التنمية و تراكم رأس المال هما مرادفان مرتبطان فينبغي عدم نسيان أهمية التقدم العلمي و المعرفي و المعلوماتي و التقني و مدى مساهمته في مسيرة النمو الاقتصادي بُغية محاولة اللحاق بركب التطور العالمي .
د. بشار عيسى