فيلم وثائقي يكشف دور بايدن في احتلال العراق عام 2003
هيفاء علي
يكشف فيلم وثائقي لمارك فايسبروت، مدير مركز البحوث الاقتصادية والسياسية في واشنطن، النقاب عن الدور الخبيث الذي لعبه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن في احتلال العراق في العام 2003.
“بينما أتحدث إليكم، فإن قوات التحالف الأمريكي تنجز المراحل الأولى من العمليات العسكرية لنزع سلاح العراق وتحرير شعبه وإنقاذ العالم من خطر كبير”.. بهذه العبارات كان جو بايدن، الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية، يعلن الحرب على العراق. كانت تكلفة الحرب باهظة الثمن، حيث قتل أكثر من 4500 جندي أمريكي والآلاف من المتعاقدين العسكريين، إضافة إلى جرح عشرات الآلاف الآخرين منهم؛ أما الخسائر في الجانب العراقي فكانت كارثية: مئات الآلاف من الشهداء العراقيين، المدنيين والعسكريين، وملايين الجرحى؛ كما خلفت دماراً هائلاً في البنى التحتية، ونقصاً حاداً في المواد الغذائية والطبية، إضافة إلى انتشار الفوضى والإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
“كما أرى، فإن الرئيس بوش محق في قلقه بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق، في حال تمكن من استخدامها أو مشاركتها مع الإرهابيين”.. هذا ما قاله بايدن، أيضاً، عام 2002، كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأمريكي. وبعد شهرين من ذلك، وبينما كان مجلس الشيوخ يناقش ما إذا كان سيمنح الرئيس جورج دبليو بوش السلطة لبدء حرب مع العراق، جادل بايدن بقوة للحصول على التفويض بالقول: “الهدف هو إجبار العراق على تدمير أسلحة الدمار الشامل غير المشروعة، وبرنامج تطوير وإنتاج الصواريخ، وأسلحة أخرى من هذا القبيل”.
قام بايدن بما هو أكثر من مجرد التصويت للحرب. لقد كان رئيساً للجنة العلاقات الخارجية القوية في مجلس الشيوخ، وقد استخدم فعلياً سيطرته على تلك اللجنة لضمان تصويت غالبية أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على منح الإذن بالحرب، وتلك نقطة مهمة للغاية لجهة أن هناك جدلاً حول ما إذا كان التفويض ببدء الحرب يمكن أن يمر عبر الكونغرس لولا كل ما فعله بايدن للحصول على الموافقة عليه.
لذا فقد لعب دوراً رئيسياً في الدفع نحو غزو العراق، وهو يتحمل المسؤولية الأكبر من باقي أعضاء مجلس الشيوخ الآخرين الذين صوتوا ببساطة لصالح الغزو. وبالطبع، كان البيان الأمريكي الخاص بالأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية مضللاً، وكان العديد من الخبراء قد استوعبوه بالفعل بحلول وقت جلسات مجلس الشيوخ، لكن بايدن لم يسمح لهؤلاء الخبراء بالإدلاء بشهاداتهم؛ ذلك أنه بصفته رئيساً للجنة العلاقات الخارجية، كان قادراً على التحكم بمناقشة مجلس الشيوخ حول الحرب، وبالتالي فإن الكثير من المعلومات التي تلقاها معظم النواب ووسائل الإعلام الكبرى كانت معلومات مضللة.
فقد كان هناك ديمقراطيون في مجلس الشيوخ يريدون الحد من قدرة بوش على بدء حرب في العراق، إلا أن بايدن وقف في وجههم واتخذ مثل هذا الموقف المؤيد للحرب، واستخدم دوره هذا للحد من النقاش، وبشكل رئيسي في تأمين ما يكفي من الانشقاقات عن الأغلبية الديموقراطية للانضمام إلى الدعم الكبير للجمهوريين لتمرير قرار الحرب.
كانت الفكرة القائلة بأن العراق يشكل تهديداً كبيراً للولايات المتحدة والعالم مجرد هراء وافتراء، خاصة وأن العراق تخلص من أسلحته غير التقليدية وبرامج أسلحته وأنظمته وخضع لأشد العقوبات الاقتصادية التي لم تشهدها أي دولة على الإطلاق حتى ذلك الوقت. ومع ذلك، عززت الشهادات المزورة بشكل خاص الذرائع المؤيدة للحرب، وهذه بعضها:
“يمتلك العراق ما يكفي من اليورانيوم المستخدم للأغراض العسكرية وبناء ثلاثة أسلحة نووية بحلول عام 2005؛ ومن الصعب للغاية رؤية كيف سيكون أي إجراء ما لم يتم تغيير النظام فعلاً”.
“نحن نعلم أن وجود العراق ذاته يسمح لأعضاء القاعدة المعروفين بالعيش والتحرك بحرية في العراق، وقيل لي إنهم مرحب بهم، وأن جماعات القاعدة مرحب بها، وأنهم مدعومون مع عائلاتهم”.
“علي أن أخبرك سيدي أن العراقيين يريدون بشدة التحرر من صدام حسين، وهم يعرفون أيضاً أن الدولة الوحيدة التي يمكن أن تساعدهم في هذا الاتجاه هي الولايات المتحدة، وهم مستعدون للترحيب بالولايات المتحدة كمحررة لهم”.
بالمقابل، اعترض السيناتور لينكولن تشافي من ولاية رود آيلاند على تضخيم الأدلة، لكن بايدن قاطعه بالقول: “أعتقد أنه كان من الجيد الحصول على هذه الرؤية من مجموعة الخبراء حول وجود تهديد حقيقي، وقد تسألك للتعليق على بعض أقوال كبار المسؤولين العسكريين، ومنهم أعضاء هيئة الأركان العسكرية”.
كما اعترض بايدن على مداخلة السيناتور تشافي الذي أثار التساؤل بخصوص تحيز وعدم نزاهة الشهود الذين سُمح لهم بالإدلاء بشهاداتهم، قائلاً: “لقد شاركت في الحرب على العراق ومرة في أفغانستان.. وكما تعلمون، بالنسبة لقدامى المحاربين، فإن هذه الحروب كان لها تأثيرها الكبير على حياتنا. في حرب العراق، قُتل هناك ما يقرب من 4600 جندي أمريكي، وأعضاء مجلس الشيوخ ووسائل الإعلام الكبرى ضللوا في المعلومات وشوهوا الحقائق.. أعتقد أن العدد الإجمالي هو 4575، وهو العدد المباشر للقتلى، لأن الحرب تمت خصخصتها، والتعاقد مع شركات خاصة لتمويلها مقابل أن تستفيد تلك الشركات منها.. وتشير التقديرات إلى أن عدد المتعاقدين بلغ 4500 عامل متعاقد، رجالاً ونساءً، ممن نفذوا مهام عسكرية كان يمكن أن ينفذها جنود في حروب سابقة، وقد قُتلوا أيضاً في العراق؛ لذلك عندما تنظر إلى عدد القتلى، يجب أن تحسب 9000 بدلاً من 4500 تقريباً، وهذا لا يشمل حالات الانتحار التي يتراوح عددها – وفقاً لبيانات إدارة المحاربين القدامى – بين 9 آلاف و10 آلاف حالة انتحار.
ويتابع السيناتور تشافي: تنظيم “داعش” هو نتيجة مباشرة للقاعدة في العراق التي نشأت من غزونا للعراق، ونحن عملنا على الإطاحة بالحكومة، ولم يعد هناك قادة من السكان الأصليين، وهذا لم يسفر فقط عن ثورة العراقيين ضد ما اعتبروه احتلالاً غير شرعي، بل وأسفر أيضاً عن استقطاب كل المتطرفين والجهاديين من كل العالم إلى العراق.. جاؤوا بأعداد واكتسبوا خبرة في الحروب المستقبلية، ولولا خطيئة غزو العراق لما كان علينا التعامل مع “داعش” اليوم. وهذه هي المرة الأولى في مسيرتي الاستخباراتية، البالغة 27 عاماً، التي أسمع فيها عن نائب رئيس يذهب إلى وكالة المخابرات المركزية ليرى محللي المكاتب يجلسون ويناقشون محللين من مستوى أقل ويدفعونهم للعثور على عناصر تثبت أن العراق كان يحاول الحصول على اليورانيوم؛ لذلك كانوا يختلقون أدلة في مكاتب وكالة المخابرات المركزية على حيازة العراق أسلحة الدمار الشامل.
وفي الكونغرس الأمريكي، كانت إحدى القصص الكاذبة التي استخدمتها إدارة بوش للترويج للحرب مع العراق هي أن صدام حسين كان في الواقع على صلة بالقاعدة وبمنفذي هجمات 11 أيلول.
في هذا السياق، يقول تشافي: كنت في العراق عندما كان صدام حسين في السلطة.. لم يتسامح مع أي شكل من أشكال التطرف الديني.. ولو كان أحدهم جالساً في مقهى، مثلاً، وأخبرك أن حكومتنا ليست متدينة بما فيه الكفاية، وأنه يجب أن يكون لدى قادتنا وسياسينا مزيد من التقوى، لكان من المحتمل أن يتم القبض عليه في غضون ساعة. بعد ذلك. لم تكن هناك فرصة للقاعدة أو أي جماعة دينية متطرفة أخرى لكسب موطئ قدم في العراق طالما كان صدام في السلطة”.
بعد الغزو الأمريكي للعراق بقيادة بوش، حافظ بايدن على دعمه للحرب لسنوات: “قال بعض أعضاء حزبي أنه كان من الخطأ الذهاب إلى العراق، واعتقدوا أن الأمر لا يستحق كل هذه التكلفة، مهما كانت الفائدة التي قد تأتي من غزونا للعراق”.
قال لي الرئيس أوباما في غرفة روزفلت، في 10 أيلول 2015: “هناك تحيز في هذه المدينة لصالح الحرب، ثم أخبرنا، خلال 20 – 25 دقيقة التالية، أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون حيال ذلك، هناك تحيز في هذا الانحدار إلى الحرب”.
لدينا آلة في واشنطن مكونة من رأسماليين مفترسين مثل “لوكهيد مارتن” و”إكسون موبيل”، وكل ما يمثلونه، حيث تبيع “إكسون موبايل” وقوداً أحفورياً إلى وزارة الدفاع أكثر من أي كيان آخر في العالم، في حين حققت شركة “لوكهيد مارتن”، وهي أكبر تاجر أسلحة في العالم، ثروة طائلة من هذه الحرب.
وعليه، طالما لدى الإدارة الأمريكية هذا الكم الهائل من الدولارات، ستكون هناك حروب لا نهاية. ذلك أن بايدن يمثل في الولايات المتحدة نوع الالتزام الطويل والدائم من الحزبين لتفوق الولايات المتحدة على المستوى العالمي، وهي مرحلة تتصرف فيها الولايات المتحدة مثل الشرطي العالمي.
يتابع السيناتور تشافي: “أعتقد أن الكثير من الأمريكيين مستاؤون من هذا الوضع.. إنهم يريدون أن تكون لديهم علاقات من نوع مختلف مع العالم، ويريدون قائداً، ورئيساً، وكونغرساً يمكنه أن يقدم فرصة للازدهار لجميع الأمريكيين. أعتقد أن هذا لن يحدث إلا عندما نكسر هذه الحلقة من الحروب التي لا نهاية لها، ولكان من الصعب للغاية لمرشح من الحزب الديمقراطي، يعيد التأكيد بشكل أساسي على الوضع الراهن للتدخلات العسكرية التي لا نهاية لها، والحروب التي لا نهاية لها في الشرق الأوسط، أن يتفوق على دونالد ترامب فيما يخص شن الحروب.
ويتابع: أثناء هذا النقاش، كنت عضواً في لجنة المخابرات بمجلس الشيوخ وقرأت عناوين الصحف في الصباح، وكنت أشاهد الأخبار التلفزيونية، وكنت أهز رأسي لأنه كان بإمكانك رؤية بضع عشرات من الأمتار هنا، في غرفة مغلقة وخاضعة لحراسة مشددة، كانت لجنة المخابرات تجتمع يومياً للحصول على المعلومات السرية للغاية، والمعلومات التي كانت لدينا في لجنة المخابرات لم تكن مماثلة لتلك التي أعطيت للشعب الأمريكي.. لم أصدق أنه في مواجهة الدليل الواضح على الخطر، لم نتمكن من انتظار الدليل النهائي.
ما حدث أثناء غزو العراق هو أن كثيرين فقدوا عقولهم.. المئات، إن لم يكن الآلاف، من الأشخاص انكبوا يبحثون عن أسلحة الدمار الشامل، لكنهم لم يجدوا أي شيء. في البحث عن أسلحة نووية لم يتم وضع أي دليل في الملفات الاستخبارية على وجود صلة بين صدام والقاعدة. لا يوجد دليل على مثل هذا الاتصال على الإطلاق، لقد خدع الشعب الأمريكي في هذه الحرب.
ويختم السيناتور: كيف يدعي هؤلاء الساسة أنهم يدعمون القوات وعائلاتها، كيف يمكن أن يفهم الأمريكيون أنه يمكن إحضار أمهات إلى جنازة أولادهن الذين يبلغون من العمر 20 عاماً فقط، وقُتلوا إما في الحروب أو بالانتحار، ولا احد يعلم ماذا يقول لهن، أو يشرح لهن ما إذا كان الهدف يستحق التضحية بهم، وأن الأمر يستحق أن يُقتل ابناؤهن من أجله، وأن يُقتل أزواجهن، وأن يُقتل أشقاؤهن من أجل شيء ليس جيداً وليس مفيداً.
إذا تمكن الأمريكيون الرافضون للحروب من عرض قضيتهم، فالشهادة لم تنته بعد، ولكن إذا استطاعوا إثبات أن التهديد حقيقي وخطير، وأن العراق “الديمقراطي والحر” يمكن أن يكون له تأثير إيجابي كبير على هذا الجزء من العالم، ويجعل حياة الأمريكيين أسهل بكثير في المستقبل.. إذا فعلوا الأشياء بشكل صحيح، فإن المكافأة تستحق الجهد المبذول.