الاستثمار بـ “الطاقة الحيوية” يؤمن أرباحاً 2 مليار يورو سنوياً
قسيم دحدل
لعل من جبهات الأمل والعمل، جبهة استثمار الطاقات المتجددة وتحديداً قطاع الطاقة الحيوية الواعد طاقياً، نظراً لمنعكساته الإيجابية المادية، وذلك من خلال توطين وتوسيع الاستثمار في تكنولوجيا إعادة تدوير المخلفات العضوية الصلبة والسائلة باتباع عدة تقنيات أبرزها تكنولوجيا البيوغاز (تقانة إنتاج الغاز الحيوي)، التي تتميز بأنها تكنولوجيا متطورة ونظيفة ورخيصة، تعتمد على إعادة تدوير المخلفات العضوية كمخلفات المحاصيل الزراعية وروث الماشية بطريقة اقتصادية وآمنة لإنتاج طاقة متجددة تعتبر طاقة رديفة للطاقة التقليدية وذلك عن طريق القيام بعملية تخمر لا هوائي لهذه المخلفات، ما يمكننا بواسطتها من إنتاج الغاز والكهرباء، وفوق هذا وتحقيق وفر مالي هام جداً سواء على خزينتنا العامة أو جيب المواطن، إضافة للفوائد البيئية والصحية وتقليص فاتورتها.
طاقة ورغم الضائقة الطاقية التي فرضت على الدولة تكاليف مضاعفة ومتولية، نتيجة لظروف الحرب على سورية وما تبعها من عقوبات وحصار ومقاطعة، ورغم توفر المواد والإمكانيات، لا تزال دون طموحات وآمال الاستثمار الأمثل الواعد فيها حتى الآن..!؟.
تستحق العناية المركزة
المهندس عامر العمري المسؤول عن “ملف الطاقة الحيوية” في المركز الوطني لبحوث الطاقة التابع لوزارة الكهرباء، بيَّن لـ “البعث”، الفوائد الاقتصادية المتوقعة عند القيام بعملية الهضم اللاهوائي للكتلة الحيوية، فبحسب بيانات المركز، أن الأرباح الكلية المتوقعة من الهضم لتلك الكتلة، المهدورة والتي تسبب بمشاكل بيئية في سورية، تصل إلى أكثر من 1.862 مليون يورو من مخرجات الهضم: ( الطاقة الكلية المتوقعة نفط مكافىء قيمتها 700 مليون يورو – سماد عضوي 614.6 مليون يورو – غاز ثاني أوكسيد الكربون والذي يمكن بيعه وفق برتوكول كويوتو والمقدر بقيمة 530.5 مليون يورو سنوياً).
رغم هذا..!!
وبحسب الإحصائيات المتوافرة لعام 2010، فإن الكميات السنوية للكتلة الحيوية الرئيسية في سورية بلغت أكثر 379 مليون طن، وفي حال تم معالجتها بالهضم اللاهوائي يمكن أن تنتج نحو 4.6 مليار متر مكعب من الغاز الحيوي، أي ما يعادل تقريبا 25 مليار كيلو واط ساعي (حراري) سنوياً، ويعادل 2.7 مليار ليتر مازوت سنوياً أو 2.3 مليار طن مكافىء نفطي، كما أن عملية الهضم اللاهوائي تؤدي إلى إنتاج سماداً عضوياً عالي الجودة يمكن أن تصل كميته إلى 341.5 مليون طن سنوياً.
وللعلم أن الكتلة الحيوية تتألف من مخلفات: (أبقار أغنام ماعز طيور دواجن- حطب القطن – ماء الجفة – تفل الزيتون – مياه الصرف الصحي – مخلفات بلدية صلبة)، وغير ذلك من الإحصائيات العلمية ونسبها كتركيز الميتان الوسطي الذي يتراوح مابين 52% و59% حسب نوع المادة العضوية: (نسبة المادة العضوية الوسطية تتراوح ما بين 1.44% من ماء الجفة و90% من حطب القطن)، ونسب النوع الوسطي للغاز الحيوي الذي يتراوح بين0.10 في ماء الجفت و 0.38 m3n/kgvs في تفل الزيتون).
كمية هائلة
وفيما يتعلق بالفوائد البيئية ومنعكسات عدم الاستثمار الأمثل والأكمل لهذه التقانة، قال المهندس العمري: إن وجود كمية هائلة من الكتلة الحيوية في سورية دون معالجة يؤدي إلى: انبعاث الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري (CO2،N2O,CH4)، وأكثر هذه الغازات تأثيرا على ظاهرة الاحتباس هو غاز الميتان، الذي يصل انبعاثة من بعض المخلفات في سورية لنحو 1.3مليار متر مكعب سنوياً؛ وإلى تلوث المياه الجوفية وانتشار الروائح الكريهة الناتجة عن تفكك الكتلة الحيوية عند تعرضها للأوكسجين.
مقابل ذلك بيَّن، أن تطبيق عملية الهضم اللاهوائي على الكتلة الحيوية المتوافرة يؤدي إلى: الحد من انبعاث هذه الغازات بنسبة تصل لنحو 60%، وذلك عن طريق إطلاق الكربون الموجود في هذه الكتلة إلى الغلاف الجوي على هيئة غاز CO2 بدلاً من غاز الميتان CH4 والذي يتسبب بظاهرة الاحتباس بنحو 20 ضعفاً من غاز CO2 (وذلك عن طريق القيام بعملية حرق لغاز الميتان للحصول على طاقة كهربائية وحرارية وغاز CO2 ).
كما وأن تطبيق هذه التقنية، يخلص البيئة من الكتلة الحيوية التي تؤدي إلى إطلاق روائح كريهة وتلوث المياه الجوفية وتراكم الحشرات في الأماكن التي تتواجد فيها وتحويلها إلى سماد عضوي ذو جودة عالية خالٍ من الرائحة وغني بفيتامين B12 المهم جداً للنبات.
19 هاضماً
وفيما يتعلق بالأعمال التي قام المركز بتنفيذها في مجال الكتلة الحيوية، أكد المهندس العمري، قيام المركز بإنشاء 19 هاضماً حيوياً هندياً (بوردا) بحجم 14م3 بمناطق مختلفة في ريف السويداء مع تزويد كل هاضم بسخان يعمل على الطاقة الشمسية وتم تزويد البلدية مضخة مع صهريج من أجل تفريغ حجر الخروج من السماد الناتج، وأيضا القيام بإنشاء نموذجين مختلفين من الهواضم في منطقة قرحتا بريف دمشق: أولا النموذج الصيني بحجم 3.5 م3؛ وثانيا النموذج الهجين (صيني + هندي) بحجم 7م3.
كذلك تم إنشاء هاضم اسطواني هندي في محافظة طرطوس (منطقة بحوزة)، بحجم 3.5م3، وأيضا إنشاء هاضم أسطواني هندي في محافظة السويداء منطقة الصورة الكبيرة (خلخلة) بحجم 9م3.
وبحسب العمري، فإن المشاريع المذكورة قام بها المركز على نفقته، وذلك لأسباب وأهداف عدة: تشجيع استخدام الهواضم الصغيرة في الريف السوري وتعريف المجتمعات الريفية على هذه التقنية من حيث فوائدها وأسلوب التعامل معها ومعالجة الأعطال والمصاعب التي يمكن أن تظهر.
جدوى استثمارية
وحول آراء الفلاحين بالنسبة لمشاريع تقنية إنتاج الغاز الحيوي الذي قام المركز، بإنشائها في مزارعهم، فجاءت مؤكدة على أن أصبح لديهم اكتفاء ذاتي بالنسبة للغاز ولم يعودوا مضطرين إلى شراء الغاز المنزلي؛ إضافة إلى استخدام السماد العضوي الناتج في تسميد أرضيهم، حيث لاحظوا عند استخدامهم لهذا السماد إن مزروعاتهم بدأت تنمو بشكل أسرع، وتتميز بأنها أكثر جودة من مزروعاتهم التي كانوا يستخدمون لها الأسمدة الكيميائية، كما وجدوا أنه يمكن استرداد ثمن إنشاء الهاضم الحيوي بعد سنتين أو ثلاثة سنوات.
مجدية اقتصادياً وبيئياً
لهذا فإن مثل هذه المشروعات، تعتبر مجدية من الناحية الاقتصادية والبيئية، إذ تخلص البيئة من مخلفاتها العضوية وتحولها إلى شكل مفيد بإعطاء الغاز الحيوي والسماد العضوي، ومن أهم النواتج المرافقة لهذه التقانة الحصول على غاز يطلق عليه الغاز الحيوي الذي يمكن استخدامه في العديد من الأمور: إعطاء الطاقة الحرارية التي يمكن استخدامها في أغراض الطهي والتدفئة وغيرها، وتوليد الطاقة الكهربائية وربطها بالشبكة الكهربائية العامة أو استخدامها كنظام مستقل عن الشبكة وبالدرجة الأولى في المناطق النائية والمزارع البعيدة، إعطاء سماد عضوي يتميز بأنه أفضل من الأسمدة الكيميائية لأسباب عدة: عديم الرائحة، ويتميز بأنه ذو جودة عالية نظراً لاحتوائه على الهرمونات النباتية والفيتامينات ومنظمات النمو ويكون خالياً من اليرقات والميكروبات والبويضات وبذور الحشائش والتي تموت تماماً عند عملية التخمر اللاهوائي للمخلفات العضوية مما يجعله سماداً نظيفاً لا يسبب تلوثاً للبيئة عند استخدامه في تسميد الأراضي الزراعية، إضافة إلى أنه وعند خروجه من المخمر يكون السماد بصورة سائلة مما يجعل توزعه بالتربة واستفادة النبات منه بشكل متجانس، كما ويمكن أن يتم تجفيفه بخلطه بالتراب وتعريضه لأشعة الشمس ليتم استخدامه عند الحاجة إليه، وتميزه أيضا بعد إنجذاب الحشرات والذباب والبعوض إليه.