التحريض الأمريكي على روسيا.. إلى أين؟
تقرير إخباري
ازدادت في الآونة الأخيرة حالة التوتر في العلاقاتِ بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية روسيا الاتحادية، ووصلت إلى حد غير مسبوق، وخاصة بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية ووصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض.
هذا التوتر المتصاعد يأتي ليمثل استمراراً للمواجهة التي سبق أن بدأها الحزب الديمقراطي في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما على خلفية مزاعم واهية تتعلق بتدخل روسي محتمل في انتخابات الرئاسة عام 2016، لكن من الواضح أن الولايات المتحدة تريد من خلال تصعيد التوتر والمواجهة مع روسيا أن تعيد تجديد وتنشيط تحالفها التاريخي مع دول الاتحاد الأوروبي عبر تفعيل دور حلف شمال الأطلسي (الناتو) من جديد، وذلك بالتزامن مع القيام بتوظيف جديد لحالةٍ من الخوف والفزع من روسيا، انطلاقاً مما تصفه بتهديدات جمهورية روسيا الاتحادية لجيرانها وللأمن السيبراني في القارة الأوروبية العجوز.
ويشير الخبراء والباحثون الإستراتيجيون إلى أن أوروبا التي تُعتبر أصغر القارات مساحة في الكرة الأرضية، ترتبط بشكل ملفت للنظر بالفضاء الجيوسياسي لأوراسيا، وكانت قد تأسّست تاريخياً ككيان على خلفية من الغزوات وقامت دولها ببناء تحالفاتها وارتباطاتها استناداً إلى خيار التصدي والمواجهة مع الحضارات المنافسة.
من جهتها تسعى الولايات المتحدة، بشكل مستمر، إلى استثمار هذا الخوف المزعوم من أجل المحافظة على ارتباط وتبعية أوروبا بكاملها لها، وخاصة بعد أن تحوّلت هذه القارة منذ الحرب الباردة إلى ساحة للمواجهة بين الولايات المتحدة وخصومها في أوراسيا.
من هنا، وفي ظل تفاقم الأزمات وتزايد المخاوف التي يشعر بها الأوروبيون بشأن الأفول المحتمل لحضارتهم، تبحث الولايات المتحدة بشكل مستمر عن عدو أو خصم، وهذا الخصم من وجهة نظرها يتمثل بجمهورية روسيا الاتحادية المتقدمة حضارياً وعلمياً والقريبة جغرافياً، والتي تمتلك ثروات وقدرات هائلة في إدارة النزاعات والحروب التقليدية والتكنولوجية المتطورة، وهي بذلك ستمثل أفضل أنواع من يشكل الخوف والرعب لأوروبا، والتي يمكن للولايات المتحدة في الإبقاء على السيطرة والهيمنة العسكرية والاقتصادية الأمريكية على أوروبا.
ويمكننا في نهاية الأمر أن نخلص إلى نتيجة أنه وعلى الرغم من إصرار الولايات المتحدة على “شيطنة” روسيا وعلى دفع الدول الأوروبية إلى رفض التعاون معها، فإن دولاً كبيرة وقوية من دول الاتحاد الأوروبي لا تزال تتعامل معها وفق مقاربة تخدم مصالحها، وترى في عزلها خطراً جسيماً يهدّد أمن القارة الأوروبية، ولا تجد دول، في شرق القارة، مثل هنغاريا وهي دولة من دول الاتحاد الأوروبي “حرجاً” في استعمال اللقاح الروسي، كما أن جمهورية ألمانيا الاتحادية لا تزال تعبِّر عن رفضها للضغوط الأمريكية وتصرّ على إتمام أهم المشاريع الاقتصادية في العالم، وهو مشروع أنبوب (السيل الشمالي 2) الذي سيوثق روابطها الاقتصادية مع روسيا.
ريا خوري